الملك عبد الله الأول بن الحسين

False
جاء أرض الأردن مجاهداً، وغادر الدنيا شهيدا، خاطب العرب وأهل بلاد الشام حين وصوله معان قادما من الحجاز ليقود حركة النهضة من جديد وانتصارا لعرش أخيه الملك فيصل الاول في سوريا بقوله:
[ ..كيف ترضون بأن تكون العاصمة الأموية مستعمرة فرنسية، إن رضيتم بذلك فالجزيرة لا ترضى وستأتيكم غضبى، وإن غايتنا الوحدة كما يعلم الله. أتينا لبذل المهج دونكم لا لتخريب البلاد ... أتاكم المستعمر ليسلبكم النعم الثلاث: الإيمان والحرية والذكورية ... أتاكم ليسرقكم فتكونوا غير أحرار ...]

21 تشرين الثاني/نوفمبر 1921م/ 11 ربيع أول 1339هـ

وقضى جلالة الملك عبدالله المؤسس شهيداً على أرض القدس التي حفظها وافتداها في العشرين من تموز 1951م يوم كان ذاهباً لأداء صلاة الجمعة التي كان يحرص على أدائها في المسجد الأقصى وكان برفقته حفيده الشاب جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه.

ساعة ذاك كان القدر يواجه الملك المؤسس، ويفتح عين الشاب الملك الحسين أمام حدث كبير ومصاب جلل، قال عنه الملك الحسين بعدها: في هذا اليوم قد تساوت عندي قيم الحياة والموت.

جلالة الملك عبدالله المؤسس عربي النشأة، وقد تلقى علومه في مكة واستنبول، فمنحته الأولى الإيمان العميق، ومركزية الوعي وحمل طموحات المسلمين وآمالهم، وأعطته الثانية الخبرة في السياسة والحنكة والحكمة.

كانت ولادة الملك المؤسس في مكة المكرمة في الرابع من نيسان/ أبريل من عام 1882م، ومنذ الطفولة اطلع الأمير عبدالله على تاريخ القبائل وأعراف البدو، فنال من ثقافتهم وعرف العادات القبلية، وكان لذلك أثره البالغ في شخصيته فيما بعد، إذ غدا قصر رغدان الذي بني عام 1927م في عمان موئلاً للشعراء والأدباء الذين بادلهم الشعر وناظرهم فيه.

تجسدت في شخصية جلالة الملك المؤسس الخبرة السياسية والقدرة الفائقة على اجتياز الأزمات والتدخل الحاسم، فخلال الثورة العربية غدا الملك المؤسس، واحداً من قادتها، وبعد أن أعلن فيصل ملكاً على سوريا ظل الأمير عبدالله في صحبة والده في مكة، ولكن نهاية الحكم العربي في دمشق بعد معركة ميسلون24 تموز/يوليو 1920، دفعت به للقدوم إلى شرق الأردن لتبقى راية الثورة العربية مرفوعة و لتأسيس قاعدة انطلاق لدعم الثوار العرب ضد الانتداب الفرنسي وتحرير البلاد السورية.

قبيل ظهر يوم الأربعاء (2 آذار/مارس 1921م / 22 جمادى الآخرة 1339هـ) وصل الأمير عبدالله عمان قادماً من معان فاستقبله أهلها وأعيانها، وصارت عمان مركزا، وقد تجددت النهضة فيها وقبلة أحرار العرب في المنطقة العربية بأسرها وخاطب الأمير مستقبليه قائلاً:

[فاعلموا أنه ما جاء بي إلا حميتي وما تحَمّلَه والدي من العبء الثقيل، فأنا أُدركُ الواجب عليَّ، ولو كان لي سبعون نفساً لبذلتها في سبيل الأمة ولما عددت نفسي فعلتُ شيئاً، كونوا على ثقة بأننا نبذل النفوس والأموال في سبيل الوطن]

بوصول الأمير عبدالله الى عمان انتهى عهد الحكومات المحلية التي انتظمت تحت الراية الهاشمية، وشرع الأمير عبد الله بإقامة نظام سياسي وحكم مركزي. فعين عوني عبد الهادي رئيساً لديوانه ثم أرسل مع الشيخ كامل القصاب رسالة إلى أعضاء حزب الاتحاد السوري وأحزاب الجالية السورية في مصر، ليعلمهم بأهدافه وقد وصل كامل القصاب مصر يوم 18 آذار/مارس 1921م وجاء في الرسالة:

[حضرات الأفاضل أعضاء حزب الاتحاد السوري وأحزاب الجالية السورية العربية بمصر حفظهم المولى. السلام عليكم، .... فقد حملت إليكم الأنباء ولا ريب خبر قدومي عمان الذي لم يبعثني عليه غير رغبتي بتحرير البلاد السورية وإنقاذها مما ألم بها...]

وبهذا فان الملك عبدالله المؤسس أراد تكريس المطلب العربي بضرورة الاستقلال وأراد تأكيد استمرارية النهج الثوري العربي النهضوي، الذي جاءت به الثورة العربية، وكان عليه أن يواجه في سبيل ذلك الصعاب والتحديات.

خلال فترة حكمه التي استمرت طيلة السنوات الثلاثين 1921-1951م عمل الملك المؤسس على تحقيق إنجازات سياسية هامة، ومنها:

تحقيق الاعتراف السياسي الدولي بإمارة شرق الأردن.

إصدار القانون الأساسي سنة 1928م كأول دستور لإمارة شرق الأردن مع توقيع اتفاقية دولية هي المعاهدة الأردنية البريطانية.

إجراء الانتخابات لأول مجلس تشريعي أردني عام 1929م.

تأسيس الجيش العربي ورعاية نشأته وتطوره.

دعم حركة الاستقلاليين العرب باستقبالهم في عمان وإنشاء حزب الاستقلال وفتح الآفاق السياسية أمام تطور الوعي السياسي الأردني، وتأسيس أحزاب سياسية وطنية.

تكريس هيبة الدولة وبناء مؤسساتها.

إعلان إمارة الأردن مملكة مستقلة في 25 أيار/مايو 1946م.

تحقيق وحدة الضفتين كأول نموذج حقيقي لوحدة عربية.

وبعد الاستقلال التام كان القرار الاردني العربي المستقل، فكانت البداية في القمة العربية الأولى في أنشاص في 28 أيار/مايو 1948م، ثم جاءت نكبة 1948م لتضع الأردن في مواجهة الحدث وتداعياته، فجاء الدفاع عن القدس من قبل أبطال الجيش العربي في باب الواد واللطرون وفي كل بقاع فلسطين ونقف عند مقتطفات من صور التضحية والبطولة في عام 1948م ما يلي:

[.. في ليلة 18 أيار ترأس الملك عبد الله جلسة عاجلة لمجلس الوزراء، وحضرها رئيس هيئة الأركان ومساعده، وعرض الملك عليهم خطورة الموقف في القدس وقال إنه يتحمل مسؤولية التدخل في القدس فتقرر أن يتقدم الجيش العربي]

وصدر الأمر يوم 18 أيار/مايو للكتيبة السادسة المرابطة في أريحا بالزحف إلى القدس وقوامها ثلاث سرايا مشاة توزعت على المواقع المهمة للمدينة وأبوابها الرئيسة، واستقبل أهالي القدس وفلسطين الجيش العربي ورأوا في جنوده رجالاً بواسل وقد حققوا النصر وحافظوا على القدس عربية واجزاء من فلسطين عرفت فيما بعد باسم الضفة الغربية .

بعد النكبة، أدرك العرب فداحة النتيجة، ورأوا في موقف الأردن الشجاع المدافع عنهم خير ضمانة لحماية ما تبقى من أرضهم، فتحرك الأخوة الفلسطينيون باتجاه الشقيق الأقرب الأردن، فتصاعدت الدعوة للوحدة مع الأردن وكان المؤتمر الفلسطيني المنعقد في عمان بتاريخ 1 تشرين الأول/اكتوبر 1948 برئاسة الشيخ سليمان التاجي الفاروقي طالب الملك عبدالله بأنه مفوض تفويضاً تاماً مطلقاً في أن يتحدث باسم عرب فلسطين وأن يفاوض عنهم ... وقد مهّد ذلك المناخ السياسي إلى عقد مؤتمر أريحا في الأول من كانون الأول/ديسمبر 1948م بحضور أعيان فلسطين وزعمائها ووجهائها وقرروا:

القبول بالوحدة الفلسطينية الأردنية.

مبايعة المؤتمر الملك عبد الله المعظم ملكاً على فلسطين كلها.

بعد ذلك مضى الأردن بقرار الوحدة وأجريت انتخابات جديدة في الأول من كانون الثاني/ يناير 1950م وانتخب المجلس نواباً عن فلسطين كلها والأردن وشكلت حكومة جديدة بتاريخ 12 نيسان 1950 برئاسة سعيد باشا المفتي.

لم يمهل القدر الملك المؤسس طويلاً، وكان جلالته مواظباً على أداء صلاة الجمعة في القدس، وفي يوم الجمعة العشرين من تموز/يوليو 1951م استشهد جلالته على أرض القدس الطاهرة التي دافع عنها فسال دمه الزكي عند عتبات المسجد الأقصى وعلى مقربة من ضريح والده الشريف الحسين الذي ضحى بعرشه على أن يفرط بذرة من ارض القدس وفلسطين.


المصدر: الموقع الرسمي لجلالة الملك عبدالله الثاني.