كتاب التكليف السامي لحكومة الدكتور معروف البخيت الأولى


24  تشرين الثاني/نوفمبر 2005
بسم الله الرحمن الرحيم

عزيزنا دولة الأخ الدكتور معروف البخيت حفظه الله

تحية طيبة وبعد،

أبعث إليك بتحية هاشمية عربية ملؤها التقدير والاحترام، وقد عرفتك في مختلف المواقع الدبلوماسية والسياسية والأكاديمية والعسكرية التي تبوأتها وكنت عند حسن ظننا فيك تميزا وكفاءة وانتماء، مثلما كنت صادقا وأمينا وجريئا في قول كلمة الحق، وقد وظفت كفاءتك وخبراتك التي اكتسبتها لخدمة وطننا وشعبنا ما كان موضع اعتزازنا وتقديرنا.

وإذ الحياة تتواصل ويفرض إيقاعها المتسارع الإصرار على المضي قدما في تحقيق أهدافنا الوطنية العليا وتعظيم مكاسب شعبنا، وبعد أن قدمت حكومة دولة الأخ الدكتور عدنان بدران استقالتها، فإني أعهد إليك بتشكيل حكومة جديدة تترجم رؤيتنا الإصلاحية وتواصل العمل وتعلي البنيان وتصحح ما يمكن اعتباره خللا أو تقصيرا غير مقصود وتستخلص العبر مما كان اعترى جوانب المسيرة من هنات أو سلبيات في هذا المجال أو ذاك.

إن ما نهضت به الحكومة المستقيلة من أعمال ومهمات في ظروف إقليمية ودولية حرجة هو موضع تقديرنا، وما أنجزته كذلك في مجالات عديدة يسجل لها، إلا أن طموحات شعبنا وجملة الأهداف الاستراتيجية العليا التي عاهدنا كل مواطن ومواطنة في وطننا العزيز على تحقيقها على طريق بناء الأردن العصري والحديث القادر على الإنتاج والمنافسة، والمتسلح شعبه بالمعرفة والثقافة والساعي دوما ليكون في مصاف الدول المتقدمة تنمية وقيما ثقافية وحضارية، كما هي ديمقراطية وتعددية وتكافؤ فرص وسيادة قانون، وانفتاح وحداثة وحريات عامة، وأمن واستقرار داخلي، لا مكان فيه للعنف الكلامي أو العنف الإرهابي، تفرض في جملة ما تفرض عليك وعلى زملائك الذين سيقع عليهم اختيارك لتحمل المسؤولية معك، المهمات والمبادىء والأسس التي آمل من الحكومة تنفيذها والتزام معاييرها وفق قواعد عملية ومقاربات وآليات قابلة للتنفيذ، وبخاصة أن شعبنا الذي يستحق أن نبذل كل جهودنا ووقتنا وعملنا من أجل رفع مستوى معيشته والارتقاء به إلى مستويات أفضل وأكثر جودة وعصرية، يراقب عن كثب عمل الحكومات ويرصد ما تفعله على صعيد ميزان الايجابيات والتفاؤل ما يعني أن نواصل وبلا كلل أو تردد مسيرة الإنتاج والعطاء والتنمية والإصلاح.

إن التفجيرات الإرهابية التي ضربت بعض مرافق عاصمتنا الغالية وأودت بحياة الأبرياء مواطنين وأشقاء وأصدقاء أعزاء وخلفت العشرات من الجرحى، تزيدنا إصرارا على التمسك بثوابتنا ونهجنا الديمقراطي والإصلاحي، الذي لا رجعة عنه، لكنها في الآن عينه تؤكد مدى حاجتنا إلى تبني استراتيجية شاملة في مواجهة ثقافة التكفير، لا تأخذ الحل الأمني فقط، بل تتناول الأبعاد الفكرية والثقافية والسياسية للتصدي للذين اختطوا طريق التخريب والدمار للوصول إلى مآربهم، وهذا الأمر يستدعي الإسراع في وضع قانون لمكافحة الإرهاب بشتى صوره وأشكاله وشن حرب لا هوادة فيها على مدارس التكفير التي تغرف من وعاء التعصب والتخلف والانغلاق والظلامية، وتتغذى على جهل البسطاء أو سذاجتهم وتعمل وفق فتاوى ومقاربات تضليلية، ما يشكل خطرا ماثلا على المجتمع ومصالحه كافة، الأمر الذي لا يمكننا القبول به أو التردد حياله أو التباطؤ في مباشرته.

وفي صلة بموضوع مكافحة الإرهاب فانه ليحزننا ويثير غضبنا أن يلجأ الإرهابيون والمخربون وتجار مدارس التكفير إلى ارتداء عباءة الإسلام والنطق باسمه، فيما خطابهم الدموي لا يرتبط من قريب أو بعيد بديننا الحنيف وتعاليم الإسلام السمحة، التي كرست طوال أربعة عشر قرنا وما تزال الوسطية والاعتدال واحترام حياة الإنسان والحض على إعمار الأرض والحوار والجدال بالتي هي أحسن، وهو جوهر المسألة التي انطلقت من اجلها "رسالة عمان" التي كانت موضع تأييد ودعم من المؤتمر الإسلامي الدولي الذي عقد في عمان في تموز الماضي، الذي شاركت فيه جمهرة من علماء وأئمة المسلمين من مختلف دول العالم.

لهذا كله فان الحكومة مدعوة إلى إيلاء مفاهيم "رسالة عمان" ومعانيها ودلالاتها وأهدافها الأهمية التي تستحقها في هذه الظروف بالذات وتعمل على إيصالها إلى كل بقعة في أرجاء بلدنا، وإلى أوسع قطاع في الدول الإسلامية، كي يتبين المسلمون حقيقة دينهم الحنيف وقيمهم النبيلة الإنسانية والأخلاقية والحضارية، وبما يسحب بالنهاية البساط من تحت أقدام هذه الفئة الضالة المضللة التي بدأ يضيق على مجرميها الخناق بعد أن عرف القاصي والداني ضلالة أفكارهم الهدامة.

وفي هذا السياق تقع على إعلامنا مسؤولية كبيرة يجب أن ينهض بها بكل شجاعة وأمانة، تجاه الوطن والدفاع عن منجزاته وإشاعة أجواء التسامح وقبول الآخر واحترام حرية التعبير بما ينسجم ومصالح الأردن أولا، في الوقت الذي نسعى فيه لضمان أن يعمل إعلامنا في مناخ من الحرية واحترام الرأي والرأي الآخر. منطلقين من إيماننا بان الحرية هي ثقافة وممارسة مسؤولة وقيمة حضارية وإنسانية.

وكما أكدنا دائما أن الإصلاح لم يعد خيارا فقط بل هو ضرورة حياتية للأردن الجديد الذي نريد، الذي قطعنا شوطا مهما في مسيرة إبرازه وتجسيده، ولهذا فإن الحكومة مدعوة، بل هي مطالبة بأن تكرس الإصلاح ومفهوما ومعنى في جدول أعمالها اليومي، باعتبار الديمقراطية نهجا لا حيدة عنه، والديمقراطية، كما هو معروف، ثقافة وممارسة وليس مجرد شعارات ترفع في المناسبات، ولهذا فإن الحكومة مطالبة بمأسسة عملية الإصلاح والتحديث والتطوير. وإننا نجد في توصيات لجنتي الأجندة الوطنية والأقاليم ما يمكن أن يعد هاديا ومرشدا للحكومة للاستناد إليها في تبني برنامج الإصلاح الشامل اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا.

وفي ضوء مخرجات هاتين اللجنتين فالحكومة مطالبة بإعداد جملة قوانين في شكل سريع وعاجل ولكن يجب أن تتوخى العصرية والعدالة والمتغيرات، والقوانين المقصودة هي قانون جديد للانتخاب وآخر للأحزاب وثالث للبلديات وبما يسمح بتجديد حياتنا السياسية والبرلمانية ويضمن مشاركة أوسع في عملية صنع القرار، ويسهم في وضع بلدنا على خريطة الدول الخلاقة والصاعدة التي تتفاعل مع المتغيرات وتتكيف معها، وفق مصالح شعبنا في عصر تعصف فيه رياح العولمة وتحتدم فيه المنافسة ولا يصمد فيه غير الشعب المنتج والمواطن الحر ودولة القانون والنظام.

وبالنسبة للمحاور الاجتماعية والاقتصادية الأخرى التي تناولتها الأجندة الوطنية، فإن على الحكومة الالتزام بها وفق الأولويات التي تأخذ بالاعتبار مصالح الوطن العليا وتضع مصالح المواطن الأردني في المقدمة على مختلف الصعد، وبما يعني إعداد مشروعات القوانين اللازمة للسير بها في أطرها الدستورية وضمن اطر زمنية محددة، وبما يجعل مواعيد ورزنامة هذه القوانين عملا ملزما يحاسب كل من يقوم على تنفيذه إن أخطأ ويثاب عليه إن أجاد.

كما أن الحكومة مطالبة بوضع خطط عملية وسريعة للشروع فورا بمعالجة جيوب الفقر والحد من البطالة، مثلما هي مطالبة بإيجاد قاعدة بيانات واضحة ومحوسبة وميدانية وحديثة لحصر الأسر الفقيرة في المملكة ضمانا لإيصال الدعم إلى مستحقيه.

فالفقر والبطالة يشكلان عائقا كبيرا وتحديا لطموحاتنا، ما يستدعي أن تتضافر الجهود لإيجاد المزيد من فرص العمل وبخاصة للشباب وأصحاب الكفاءات والخبرات وبما يضمن الإسهام في رفع نسبة ومستوى التنمية في وطننا الحبيب، ولعل استمرار الحكومة في العمل على تنفيذ ما بدأناه عمليا في إيجاد مساكن لذوي الدخل المحدود عبر قيامها بتفويض أراضي الخزينة في محافظات المملكة لإقامة مشروعات سكنية توزع على هذه الشريحة المهمة من أبناء شعبنا بأسعار رمزية تتلاءم وظروفَهم المعيشية.

ومن الضروري أن تشرع الحكومة في العمل لشمول شرائح أوسع وأكبر من المواطنين في التأمين الصحي والرعاية الاجتماعية ضمن الإمكانات المتاحة.

إن الإنجازات التي تحققت على الصعيد الاقتصادي كبيرة وهي موضع افتخارنا واعتزازنا جميعا، فاقتصادنا الوطني حقق نسبا عالية من النمو خلال السنوات الماضية وأصبح الأردن مقصدا للمستثمرين العرب والأجانب. لكن علينا ألا نتوقف عند هذا الحد، ولا بد لنا من المضي قدما بكل عزم وتصميم، لتحقيق المزيد من المنجزات والمكتسبات ما يعزز مسيرة التنمية المستدامة في شتى الحقول والميادين ومراعاة التوزيع العادل لعوائد التنمية للمواطنين في جميع محافظات المملكة على قدم المساواة.

وإن ضمان ثقة المستثمرين العرب والأجانب في مناخ الاستثمار الواعد لدينا يستدعي أن تباشر الحكومة بإزالة أو تصحيح الاختلالات الإدارية والهيكلية في الاقتصاد أو الخدمات أو المرافق، وإزالة العوائق والبيروقراطية التي تمارسها بعض الإدارات لأسباب عديدة، ويأتي في مقدمتها غياب الوعي أو اللامبالاة أو تفسير غير مقنع للقانون.

ونلفت هنا النظر إلى أهمية إعادة النظر في قانون الضريبة وبما يحقق العدالة وينشط الاستثمار ويمنع التهرب الضريبي، ويرفد الموازنة، كما أؤكد ضرورة الإسراع في استكمال برنامج الخصخصة بعد أن حققنا فيه نجاحا ملموسا، ولم يعد من الضروري الانتظار لإنهاء خصخصة ما تبقى من شركات ومؤسسات وضعت على الجدول منذ فترة ليست بقصيرة ليتسنى تخصيص جزء من أسهم الشركات لمنتسبي قواتنا المسلحة ومتقاعديها.

وكما أكدنا على الحكومة السابقة، فإن على هذه الحكومة أن تضع نصب عينيها وبشكل لا يقبل التهاون أو التباطؤ أو التردد بالعمل الجاد والمسؤول على مكافحة الفساد والمفسدين ومحاربة المحسوبية ومروجي الاتهامات الباطلة التي يراد منها اغتيال الشخصية.

وهنا لابد أن نؤكد أننا قد حققنا في ميدان مكافحة الفساد إنجازا لا يستهان به، وجاءت الإشادة بذلك من قبل منظمات دولية مشهود لها بالنزاهة والموضوعية، واحتل الأردن المرتبة السابعة والثلاثين في العالم وفقا لتقرير منظمة الشفافية الدولية، وهو موقع نعتز به، لكننا لا نرضى أن نقف عنده، بل يجب أن نتبوأ موقعا متقدما بين الدول التي حققت ريادة في هذا المجال، وهو طموح في متناول اليد ويجب أن يكون ما يستدعي الإسراع في إنجاز قانون مكافحة الفساد المودع لدى مجلس الأمة منذ فترة وآن له أن يرى النور.

إن ما يتمتع به الأردن من أمن واستقرار ما كان له أن يكون عنوانا أردنيا بامتياز، لولا ما تتمتع به قواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية من يقظة وجهوزية ومهنية واحتراف وخبرات متراكمة وانتماء لوطننا وشعبنا وقيادتها، ولهذا فإننا نوليها ثقتنا ودعمنا تدريبا وتسليحا، وفق أحدث الأنظمة والوسائل حتى تبقى سياج الوطن وحارسة الديمقراطية وذخرا يحمي الأردن والأردنيين من أطماع الطامعين ومؤامرات الإرهابيين والمخربين.

إن علاقات الأردن العربية والأجنبية هي في أفضل حالاتها من أي وقت مضى، وهي قائمة على مبادئ الاحترام والثقة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي بلد وتحت أي ظرف، الأمر الذي اكسب الدبلوماسية الأردنية صدقية واحتراما في العالم اجمع، ما يعني بأن الحكومة مطالبة بالعمل على تعزيز هذه العلاقات وتطويرها في مختلف المجالات، والإبقاء على ثوابتها بضرورة الالتزام بالشرعية الدولية والقانون الإنساني الدولي والمواثيق والمعاهدات العربية والدولية، وإيلاء العلاقات الأردنية العربية عناية خاصة وبذل الجهود المكثفة لدعم العمل العربي المشترك ونبذ أي خلافات قد تعصف بعالمنا العربي.

إن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يمر الآن في أدق مراحله بعد التطورات والمتغيرات التي حدثت في الأشهر الماضية وبخاصة بعد الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة وتفاؤل المجتمع الدولي بهذه الخطوة، التي طالما أكدنا وما زلنا بضرورة أن تتبعها خطوات انسحاب أخرى من الضفة الغربية، وفق خريطة الطريق التي يجب أن يلتزم بتنفيذها الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي، وبما يفضي بالنهاية إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة القابلة للحياة، ووضع حد لهذا الصراع الذي طال وأعاق تطور شعوب المنطقة ودولها.

وأود أن أؤكد هنا استمرار دعمنا للسلطة الفلسطينية وقيادتها الشرعية المنتخبة وسعيها لبسط سيطرتها على الأوضاع في قطاع غزة، كذلك استعدادنا لتقديم كل خبراتنا وما يطلبه الأخوة في فلسطين لإنجاح انتخاباتهم التشريعية المقبلة، التي نأمل أن تفرز مجلسا تشريعيا ممثلا لتطلعات الشعب الفلسطيني وسيادة سلطة واحدة، كما نواصل دعمنا للشعب العراقي الشقيق وننظر بتفاؤل إلى كل خطوة تعزز وحدة العراقيين وتضمن تحقيق توافق بين جميع مكونات الشعب العراقي تجاه التحديات المفروضة عليه، وبما يفشل رهان أعداء العراق على أن العراقيين لن يتفقوا، فنحن سنظل السند لهم لبناء عراق قوي وموحد يتاح فيه المجال للتعددية والتنافس السلمي وينبذ فيه العنف والإرهاب.

إننا إذ نؤكد على الالتزام بما ورد في كتابنا من توجيهات وندعو إلى ترجمتها ميدانيا على الأرض، لنعرب لكم عن ثقتنا وكامل دعمنا، منتظرين تنسيبكم بأسماء زملائكم الوزراء، وراجين من الله العون والتوفيق وأن يسدد على طريق الخير خطانا وان يلهم الجميع سبل الرشاد، وأن يمكننا من خدمة شعبنا الأردني وتحقيق الغد المشرق للأردن أولا ودائما.

حفظ الله العلي القدير الأردن الغالي وطنا حرا هاشميا عربيا أبيا.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

عبد الله الثاني ابن الحسين