كتاب التكليف السامي لحكومة المهندس علي أبو الراغب الثانية

14  كانون الثاني/يناير 2002
بسم الله الرحمن الرحيم

عزيزنا دولة الأخ المهندس علي أبو الراغب حفظه الله ورعاه،

يسرني أن أزجي إليك بتحية المودة والاحترام والتقدير وبعد،

فقد تلقيت رسالتك الكريمة التي أعربت فيها عما عرفناه فيك من صادق الولاء وخالص الانتماء، وعن رغبتك في تقديم استقالة حكومتك بعد ما يزيد على السنة ونصف السنة من العمل المخلص الجاد، وتحمل المسؤولية بشجاعة وأمانة وقدرة على الإنجاز.

وقد تابعت خلال فترة تحملك وزملائك الوزراء لأمانة المسؤولية كل ما اتخذتم من قرارات، وما قمتم به لتحقيق التنمية الشاملة، واستكمال بناء دولة المؤسسات، ومجتمع العدالة والمساواة، واحترام حقوق الإنسان، والارتقاء بمستوى حياة المواطن، وصون حريته وحقوقه التي نص عليها الدستور.

وقد كنت وما زلت، عند ثقتي بك، وكما عرفتك منذ سنين خلت، أهلا لتحمل أمانة المسؤولية بشرف وانتماء حقيقي، وشجاعة في اتخاذ القرار، وإيمان وثقة بالمستقبل.

أما وقد اخترت أن تضع استقالة حكومتك بين يديّ لإتاحة الفرصة لفريق وزاري جديد لمواصلة المسيرة، فإنني أقبل استقالة حكومتك مؤكدا عميق شكري وتقديري لكل من عمل معك من زملائك الوزراء، على ما قدموا وحققوا من إنجازات، فجزاهم الله عنا وعن الأردن خير الجزاء.

أما بعد،

فإنني ومن منطلق ثقتي بك، وبقدرتك على الاستمرار في تحمل أمانة المسؤولية، واستكمال تنفيذ الخطط والبرامج الوطنية، التي وضعتها حكومتك المستقيلة، فإنني أعهد إليك بتشكيل حكومة جديدة، لتواصل مسيرتنا الوطنية، بثقة وعزم وتصميم على استكمال بناء الأردن الحديث، الذي يليق برسالته وبعزائم الأردنيين.

وعلى ذلك فإنني أضع أمامك وأمام زملائك الوزراء الذين سيقع عليهم اختيارك لتحمل المسؤولية معك، الأسس والمهمات التي آمل أن تنهض بها الحكومة، وتلتزم بتنفيذها:

أولا: إن وحدتنا الوطنية ركيزة أساسية، يقوم عليها بنيان المجتمع الأردني، وهي بالنسبة لنا كما قلتُ في غير مرة، خط أحمر، لا ينبغي لأحد تجاوزه، أو العبث به، وإنني أتطلع دائما إلى أن أرى جبهتنا الداخلية، متماسكة قوية، تسود بين أفرادها روح المحبة والإخاء، والحرص على المصلحة الوطنية العليا، وأساس ذلك تحقيق المساواة وتكافؤ الفرص بين الجميع، فالمواطنون أمام الدستور سواء، والتعددية بجميع أشكالها ينبغي أن تكون عامل قوة وإثراء للمسيرة، لا عامل ضعف، فالانتماء للأردن والالتزام بدستوره، هو معيار المواطنة الحقيقية.

ثانيا: إن مسيرتنا الديموقراطية هي نهج حياتنا ولن نحيد عن هذا النهج مهما كانت التحديات. وعلى ذلك، فلا بد من الحفاظ على هذه المسيرة وتعزيزها وفتح الآفاق أمامها لتنمو وتزدهر، وقد أشرت من قبل إلى ضرورة تنمية الحياة السياسية في الأردن، ومشاركة الفعاليات ومؤسسات المجتمع المدني كافة بروح المسؤولية والحرص على مكتسبات الوطن. فالتعددية الفكرية والسياسية والحزبية هي جوهر الحياة الديموقراطية والاختلاف في الرأي والاجتهاد، أمر مشروع ما دام لا يتعارض مع الدستور أو لا يفضي إلى فتنة أو زعزعة للأمن والاستقرار. وإن الإنسان الأردني على درجة من الوعي والانتماء تمكنه من استيعاب معنى الحرية المسؤولة والمصلحة الوطنية العليا، ولن نسمح لأحد أو فئة العبث بهذه المسيرة أو الإخلال بها.

أما الانتخابات البرلمانية، وهي ركن أساسي في الحياة الديموقراطية، فإنني أعهد إليك وزملائك الوزراء باتخاذ الترتيبات كافة والاستعداد الكامل لإجراء هذه الانتخابات في الموعد الدستوري الذي يحدد لإجرائها، وإني أتطلع إلى قيام الحكومة بإجراء هذه الانتخابات بشفافية عالية ونزاهة مطلقة لتكون ثمرة طيبة لمسيرتنا الديموقراطية، وأن تتخذ جميع الإجراءات للتسهيل على المواطنين ومشاركتهم فيها.

وإذا كانت ظروف طارئة قد استدعت غياب الحياة البرلمانية لفترة وجيزة فإني آمل أن يكون في ذلك فسحة لنا جميعا لمراجعة النفس فيما يجب أن يكون عليه نهج السلطة التشريعية وتوجهها في تعاملها مع قضايا الوطن ومع السلطة التنفيذية حتى يكون التعاون بينهما لمصلحة الوطن والمواطن لا تحاصره اعتبارات شخصية أو حسابات ضيقة ونحن جميعا نقدر عاليا ما أنجزته السلطة التشريعية من تشريعات وما أثرت به المسيرة من فكر ومشورة. وأغتنم المناسبة لأدعو أبناء شعبنا الوفي كافة لممارسة حقهم في الانتخاب وأن يتخيروا من هو أهل لهذه المسؤولية وثقتي بوعي المواطنين وإدراكهم لا حدود لها.

ثالثا: وإذا كان لنا أن نشعر بالارتياح لما تحقق من إنجازات للوطن خلال المرحلة السابقة إلا أن المسيرة طويلة، وما زالت التحديات التي تفرضها التطورات الإقليمية والعالمية تلقي بظلالها علينا، ولا زلنا نعاني من مشكلتي الفقر والبطالة وعبء المديونية وضعف انعكاس النمو الاقتصادي على حياة المواطنين وتدني مستوى بعض الخدمات وتضخم الجهاز الإداري في الحكومة.

وفي هذا الصدد فإنني أرى أن العناصر التي تضمنتها رسالتي إليكم في نهاية شهر تشرين أول من العام المنصرم تشكل محور عمل الحكومة للمرحلة القادمة وقد بينت في تلك الرسالة توجيهاتي حول ضرورة إيلاء عناية خاصة لتنمية الموارد البشرية ورفع سوية الخدمات الحكومية الأساسية والتركيز على جملة من الإصلاحات الهيكلية في مجال القضاء والمالية والإدارة والشباب والإعلام والاهتمام بجذب الاستثمارات وفق منهج عمل جديد، كما أكدت ضرورة الإسراع بتنفيذ المشروعــــات الوطنية الكبرى في المياه والطاقة وتطوير العقبة ومشاركة رأس المال الوطني فيها واستكمال برنامج الخصخصة. ولا بد أيضا من الاهتمام بقطاعات الزراعة والسياحة والبيئة كروافد مهمة لاقتصادنا الوطني.

إن أهم ركائز برنامج عمل الحكومة للمرحلة القادمة هو تحقيق النمو الاقتصادي المضطرد وتعزيز مسيرة اقتصادنا الوطني، ونرى أن الإسراع في تنفيذ برنامج التحول الاقتصادي والاجتماعي الذي قدمته الحكومة قبل فترة وجيزة وباركناه، هو أمر ضروري للغاية لما تضمنه من سياسات وإجراءات هامة ولما سيوفره من تنمية شاملة للمحافظات وإيجاد فرص عمل ورفع سوية الخدمات، وتحسين أداء الأجهزة الحكومية المختلفة.

رابعا: أما جيشنا العربي، سياج الوطن ودرعه الحصين، فهو موضع الاعتزاز والفخر على الدوام، ولا بد من تقديم كل ما يحتاج إليه لتمكينه من أداء رسالته النبيلة في حماية الوطن ومنجزاته والإسهام في نهضته، وكذلك الحال فيما يتعلق بأجهزتنا الأمنية التي رعيناها وحرصنا على تطويرها فغدت العين الساهرة على أمن الوطن والمواطن وحققت مستوى من الأداء نفخر به، ولا بد من توفير احتياجاتها وما يتطلبه عملها، مؤكدا في ذات الوقت على ضرورة احترام المواطن والحفاظ على كرامته وإرساء علاقة الثقة والتعاون معه.

لقد طرحنا فيما سبق رؤيتنا لأهم محاور عمل الحكومة ضمن منهاج تطلعنا لأردن القرن الحادي والعشرين بحيث يكون نموذجا للعدالة والحرية والحياة الكريمة، وليكون توفير العيش الكريم للمواطن على رأس الأولويات وأن يكون الإنجاز الفعلي هو معيار الأداء للمؤسسات والأفراد، وأن تكون الكفاءة والنزاهة معيار تقلد الوظيفة العامة، لا نحابي أحدا على حساب مصلحة الوطن ولا مكان للفساد والمحسوبية والاعتبارات الشخصية في مسيرة عملنا الوطني.

خامسا: إن الأردن جزء لا يتجزأ من أمتنا العربية والإسلامية بكل ما يفرضه ذلك علينا من مسؤولية وواجب وبكل ما يعكس على هويتنا ومسيرتنا.

أما الأشقاء في فلسطين فسنبقى لهم دوما أهل النصرة والمؤازرة، نقف إلى جانبهم بكل ما نستطيع حتى يعود إليهم حقهم في قيام دولتهم على تراب فلسطين وعاصمتها القدس الشريف.

ولا بد لنا من الاستمرار في دعم مسيرة العمل العربي المشترك وإسناد التضامن العربي والعمل مع الأشقاء بروح المسؤولية والإحساس بتطلعات المواطن العربي في أرجاء الوطن الكبير، بما في ذلك العمل من اجل رفع الحصار عن العراق الشقيق وعودته إلى أمته العربية.

وسنبقى كما كنا دوما نؤمن بالسلام العادل والدائم ونعي دورنا الإنساني الذي يرتكز على موروثنا الإسلامي والعربي الهاشمي ونسهم بما يتوفر لنا من إمكانيات في القضايا العالمية من اجل رخاء الإنسان وتخفيف معاناته.

إن كل ما أسلفت وما أشرت إليه في رسالتي المشار إليها يمثل استشرافنا للمستقبل ويعبر عن قناعاتنا الأكيدة بدورنا وإمكاناتنا الواعدة، وعلينا أن نعمل بنظرة شمولية وبثقة أكيدة وان نحشد كل طاقات الوطن وأبنائه لتستمر مسيرة الخير والبناء، وستجد ومن سيقع عليهم اختيارك من أبناء الوطن الأوفياء الدعم والسند لتحقيق هذه الطموحات واستكمال البرامج المشار إليها بعون الله.

سائلا المولى عز وجل أن يوفقك وزملاؤك ويجعل النجاح حليفكم وان يهدينا جميعا سبل الرشاد والهدى منتظرا موافاتي بأسماء زملائك الوزراء.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

عبدالله الثاني ابن الحسين