المضامين الاقتصادية في برامج القوائم الانتخابية

ورقة تقدير موقف

"المضامين الاقتصادية في برامج القوائم الانتخابية"

إعداد: مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية

عمان، الموافق 12 كانون الثاني 2013

تأتي انتخابات مجلس النواب السابع عشر في الثالث والعشرين من الشهر الجاري تنفيذا للتصور الذي تشكل لدى العقل السياسي الرسمي الأردني مع انطلاق سلسلة الثورات والانتفاضات العربية التي بدأت في تونس وامتدت لتشمل العديد من دول المنطقة، إذ تم تغيير النظم السياسية في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن ومازالت تداعياتها مستمرة حتى الآن في بعض الدول العربية الأخرى، فقد تشكلت آنذاك (وما زالت) قناعة لدى العقل السياسي الرسمي تتمثل في أن اجراء انتخابات نيابية مبكرة في الأردن يشكل خطوة ملموسة في طريق الاصلاحات السياسية في الأردن.

وتأتي الانتخابات البرلمانية الحالية في ظل مقاطعة الحزب السياسي الأكبر في الأردن "حزب جبهة العمل الاسلامي" الذراع السياسي لحركة "الاخوان المسلمين"، و"حزب الوحدة الشعبية" اليساري، الى جانب العديد من الحراكات السياسية احتجاجا على القانون الذي تجري بموجبه الانتخابات، مطالبين بزيادة المقاعد المخصصة للقوائم الانتخابية بحد أدنى 50 بالمائة، وللمطالبة بإجراء تعديلات دستورية تنص بوضوح على تحصين مجلس النواب من الحل وتمكن الأغلبية البرلمانية من تشكيل الحكومة، فيما أعلن "الحزب الشيوعي الأردني" تجميد مشاركته في الانتخابات بعد قرار الحكومة رفع الدعم عن المشتقات النفطية في منتصف شهر تشرين الثاني 2012.

وفي "ورقة تقدير الموقف" هذه يستهدف "مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية" استكشاف تصورات القوائم الانتخابية (التي تخوض السباق للانتخابات النيابية التي ستجري بعد عشرة أيام) لطبيعة المشكلات الاقتصادية التي يعاني منها الأردن والحلول التي تقدمها لتجاوز هذه المشكلات.

وقد قام فريق اعداد هذه الورقة بتحليل البرامج الانتخابية ل (32) قائمة انتخابية من أصل (61) قائمة، إذ لم يتمكن فريق البحث من الحصول على البرامج الانتخابية لجميع القوائم الانتخابية لعدة أسباب، منها أن العديد من القوائم الانتخابية لم تصدر برامج انتخابية واكتفت بإعلان اسماء أعضائها، واعلان بعض الشعارات العامة، وبعض القوائم الانتخابية لم نتمكن من التواصل مع أي من أعضائها للحصول على برامجهم الانتخابية، وبالتالي اكتفى فريق البحث بتحليل (32) برنامجا وبيانا انتخابيا بواقع (52) بالمائة من مجمل القوائم الانتخابية.[*]

وقد تم الاكتفاء بتحليل برامج وبيانات القوائم الانتخابية دون برامج وبيانات المرشحين على الدوائر الفردية لأن عددها محدود مقارنة مع مئات المرشحين الفرديين، واستنادا الى فرضية أن القوائم الانتخابية عليها أن تقدم تصورات واضحة لطبيعة المشكلات والتحديات التي يواجهها الاقتصاد الأردني من جهة، وعليها أن تمتلك مقترحات لسياسات اقتصادية محددة وبديلة للسياسات الاقتصادية المعمول بها حاليا.

تفاوت في العمق والرؤية

في ضوء تحليل برامج وبيانات القوائم الانتخابية التي تم الوصول اليها، تبين أن هنالك تفاوت في عمق تناولها وفهمها للموضوعات الاقتصادية، بالإضافة الى تباين في تشخيصها للمشكلات الاقتصادية التي يعاني منها الأردن في الوقت الراهن، الى جانب وجود تفاوت في اطروحاتها (مقترحاتها) لحل هذه المشكلات.

وبرز هذا التفاوت في الجانبين التشخيصي لأزمة الاقتصاد الأردني وفي جانب تقديم الحلول، ففي الوقت الذي تناولت في غالبية برامج وبيانات القوائم الانتخابية التي تم دراستها القضايا الاقتصادية الأردنية بشكل عام دون الخوض في تفاصيلها، أظهر البعض الآخر من برامج القوائم الانتخابية عمقا في تناول الموضوعات الاقتصادية، وظهر ذلك جليا لدى القوائم الانتخابية المنبثقة عن أحزاب سياسية أو تتكون من أو تقودها شخصيات سياسية ذات خبرة في العمل السياسي والحزبي (سواء كانت هذه الشخصيات تعمل في اطار الحكومة أو في اطار المعارضة)، في حين أظهرت القوائم الانتخابية المكونة من شخصيات حديثة العهد بالعمل السياسي والعام ضعفا في تناول الموضوعات الاقتصادية.

ولأن هذه هي التجربة الأولى في تاريخ الأردن الذي تجري فيه انتخابات بعض مقاعد مجلس النواب على أساس القوائم، والجميع ينتظر نتائج هذه التجربة السياسية غير المسبوقة في الأردن، فقد رغب بعض السياسيين والنشطاء وبعض الراغبين بلعب دور سياسي في المرحلة القادمة في خوض هذه التجربة من خلال برامج انتخابية يغلب عليها طابع البيانات السياسية السريعة والشعارات التي يفتقد العديد منها لأي مضمون، وبعضها الآخر جاء على شكل مطالب دون تقديم سياسات لتحقيقها، وبالتالي قليلة هي السياسات الاقتصادية التي تقدمت بها بعض القوائم الانتخابية كبديل للسياسات القائمة التي أوصلت الأردن الى ما هو عليه الآن.

شعارات خالية من المضمون

حملت العديد من البرامج/البيانات الانتخابية للقوائم شعارات دعائية لا تتضمن مواقف او سياسات أو مضامين محددة من بعض القضايا الاقتصادية، مثل المطالبة بإجراء دراسات فنية واقتصادية لمشاريع اليورانيوم والصخر الزيتي والطاقة المتجددة وغاز الريشة، ومراجعة ملف الخصخصة وفتح ملفات الخصخصة جميعها، الى جانب مطالبة بعض القوائم الانتخابية بمراجعة النهج الاقتصادي السابق ودراسة آثاره ومطالبة بعضها باعتماد نظام جديد لمشروع الموازنة العامة، ورفعت بعض القوائم شعارات من نوع "جيب المواطن خط أحمر"، و "مقومات الدولة الاقتصادية ومصادر دخلها القومي خط أحمر"، ومطالب بأولوية تعديل قوانين الضمان الاجتماعي والمالكين والمستأجرين والضريبة بما يخدم المواطن، وبعضها الآخر يطالب بإعادة هيكلة الاقتصاد الأردني، وبناء اقتصاد وطني اجتماعي يراعي مصالح كل فئات الشعب، و "تعزيز حق العمل" و" تنشيط الاقتصاد"، ودراسة الحد الأدنى للأجور، وصياغة قانون الضمان الاجتماعي بصورة تناسب الجميع، واعلنت بعض القوائم الانتخابية أن "الموضوع الاقتصادي سيكون من اولوياتها، وأنه لا عيش كريم دون اقتصاد قوي"، واعلان بعض القوائم أن "عملية التغيير والتطوير تسير جنبا الى جنب مع الاصلاح السياسي بهدف الوصول الى وفرة اقتصادية ورفاه اجتماعي واستقرار سياسي باعتبار ان كل الأشياء الجيدة تسير معا..."، وطالبت أخرى "بتعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد الأردني.......بوضع استراتيجيات وسياسات تنافسية قومية وقطاعية في المملكة".

مطالب بدون آليات

من جانب آخر حملت بعض البرامج والبينات الانتخابية العديد من المطالب دون تقديم تصورات أو سياسات محددة لتحقيق هذه المطالب، ومن هذه المطالب: "الاهتمام بقطاع النقل"، و "..بناء حياة اجتماعية مستقرة يسودها اطمئنان اقتصادي.."، و"اعادة النظر في قانون الضمان الاجتماعي بما يحقق مصالح المتقاعدين ويحافظ على المؤسسة"، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتعديل قانون الضمان الاجتماعي والمالكين والمستأجرين بما يحقق مصالح الفئات الاجتماعية المتوسطة والفقيرة، والتصدي لظاهرة الفساد بأشكاله المختلفة، واقرار نظام فعال وعادل لتوزيع الموارد الأردنية والثروة بعدالة، والحد من غلاء الأسعار، و ايلاء الاهتمام لقطاع الزراعة و "وضع خطة لتطوير المراعي"، وطالب البعض بتطوير القطاع الصحي والتعليمي والزراعي والصناعي، و"تشجيع الاستثمار الداخلي والخارجي"، و "اعادة هيكلة جميع المؤسسات المستقلة"، وطالب البعض ايضا بالاهتمام بالعمال والمزارعين والعاطلين عن العمل، والسعي لتحقيق التنمية والاستقرار في كافة النواحي الاقتصادية، الى جانب مطالبة آخرين بتعزيز دور الدولة في ضبط الأسواق وتنظيمها.

مضامين محددة

بالرغم من هذه الصورة العمومية والضبابية عند العديد من البرامج والبيانات الانتخابية الا أن بعض القوائم الانتخابية قدمت مقترحات وسياسات اقتصادية محددة، فبعضها اشار الى ضرورة دعم القطاع الزراعي من خلال تشجيع المؤسسات التعاونية في التصدير، وبعضها طالب بإصدار قانون ينظم العمل النقابي بما يتوافق مع حرية التنظيم النقابي، وتخفيض الضريبة العامة على المبيعات، واسترداد المؤسسات التي تم خصخصتها، ومنح العاطلين عن العمل اعانات لحين تمكينهم من فرص عمل، واعلان البعض أن على الدولة البحث عن أسواق عمل خارجية لأبنائها للمساهمة في حل مشكلة البطالة، وتوجيه النفقات الرأسمالية نحو المشاريع التنموية، ورفع الحد الأدنى للأجور، واشارت بعض القوائم الانتخابية الى ضرورة رفع يد الجهات الرسمية عن حماية القيادات المتنفذة في الاتحاد العام لنقابات العمال، وترشيد الانفاق الحكومي، وحماية الصناعات المحلية، وزيادة ضريبة الدخل على قطاعي التعدين والبنوك بهدف زيادة الايرادات العامة، والحد من التوسع في التوظيف الحكومي، وتطوير مصادر الطاقة البديلة، وجذب الاستثمارات الخارجية وتوجيهها نحو القطاعات ذات القيمة المضافة، واستدراج استثمارات استراتيجية من الخارج في المجالات الحيوية.

يتضح مما تم استعراضه أن هنالك تفاوتا وتباينا في طريقة تناول القوائم الانتخابية للشأن الاقتصادي الأردني، والتي تعود الى العديد من الأسباب اهمها الخبرات التي يحملها أعضاء ورؤساء هذه القوائم ورؤيتهم للشأن الاقتصادي، الى جانب الفارق الملموس بين برامج وبيانات القوائم الانتخابية المنبثقة عن أحزاب سياسية والتي تشكلت لغايات خوض الانتخابات فقط.

[*]  تمثلت القوائم الانتخابية التي تم تحليل برامجها الانتخابية فيما يأتي مرتبة عشوائيا: الاتحاد الوطني، التيار الوطني، العدالة والتنمية، صوت الوطن، الكرامة، العدالة والحرية، العمل والعمال، اهل الهمة، العمالية والمهنية، الشعب، التجديد، العدل، الوسط الاسلامي، الوطنية للإصلاح، الجبهة الموحدة، النهوض الديمقراطي، وطن، التعاون الانتخابية، العمل الوطني، الاقصى، نشامى الوطن، أردن أقوى، التغيير، المواطنة، القدس الشريف، أبناء الحراثين، كتلة دعاء، كتلة شباب الوفاق الوطني ، الرفاه، أهل العزم، القطاعات المهنية، راية الحق.