الاجندة الوطنية



بسم الله الرحمن الرحيم

 

باشرت لجنة الأجندة الوطنية عملها في وضع أولويات الأردن التنموية في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للسنوات العشر القادمة في بداية شهر شباط 2005 عندما كلفها جلالة الملك المعظم بهذه المهمة الكبيرة. وعملت اللجنة خلال الأشهر الثمانية المنصرمة بكل جد وإخلاص لترجمة توجيهات جلالته للخروج برؤية شاملة للأردن الذي نريد.

وقد أجمعت اللجنة منذ بداية عملها على مبادئ عامة أولها الدستور الأردني وما تضمنه من أحكام تحمي الحريات الأساسية للإنسان وتحترم حقوق المواطنة وترسخ مبدأ الفصل بين السلطات. وثانيها القناعة بأنّ التنمية السياسية هي جزء من التنمية الشاملة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإدارية، والتي يؤدي تحقيقها إلى استكمال بناء الأردن الديمقراطي العصري المزدهر، الذي هو جزء من أمته العربية والإسلامية، يعتز بانتسابه إليها وبهويتها الحضارية، ويفخر بقيادته الهاشمية العريقة؛ أردن منفتح على الحضارات الأخرى، ملتزم بالتعددية والاعتدال والوسطية.

ولم تغفل اللجنة ما تم إنجازه في السابق، وبخاصة المبادئ التي اعتمدها الميثاق الوطني ولجان "الأردن أولاً" والاستراتيجيات والخطط التي جرى تطويرها من قبل مؤسسات الدولة الأردنية في العقد الأخير، فتدارستها آخذة بها وبانية عليها.

وكانت الأهداف العريضة للأجندة الوطنية أول ما اتفقت عليه اللجنة. وتمثلت هذه الأهداف في ترسيخ دولة الحق والقانون والمؤسسات، وتحقيق العدل والمساواة، وضمان الحريات الأساسية وحقوق الإنسان واعتماد الديمقراطية والتعددية الفكرية والسياسية في جميع الأزمنة والظروف، والعمل على تحقيق مجتمع المعرفة والرفاه الاجتماعي.

وقد انطلقت لجنة الأجندة الوطنية في عملها من واقع المجتمع الأردني الذي يمثل تراكم إنجازات الماضي، ونقطة الانطلاق إلى المستقبل؛ فالدقة في وضع الهدف تشترط مراعاة الواقع والأخذ به؛ كما أن النجاح في المسعى يتحقق فقط بتجاوز هذا الواقع وتطويره على مراحل وبما يؤدي إلى تأمين حياة أفضل لجميع الأردنيين في مختلف المجالات.

وقد اجتمعت اللجنة وناقشت مضمون رسالة جلالة الملك وأقرت منهجية عملها التي تقوم على مبدأ التوافق إذا ما غاب الإجماع، ورأت أن تحقيق التنمية الشاملة يتطلب مبادرات رائدة في ثمانية محاور هي: التنمية السياسية والمشاركة، والتشريع والعدل، وتعميق الاستثمار، والخدمات المالية والإصلاح المالي الحكومي، والتشغيل والتدريب المهني، والرفاه الاجتماعي، والتعليم والتعليم العالي والبحث العلمي والإبداع، ورفع مستوى البنية التحتية.

وانطلاقاً من حرص اللجنة على توسيع المشاركة في وضع الأجندة، والإفادة من أهل المعرفة والاختصاص في وضع أهداف هذه المحاور الثمانية وخططها التفصيلية، قامت بتشكيل لجنة فرعية من الخبراء، من ذوي الاختصاص والعلم والخبرة، لكل محور من هذه المحاور باستثناء المحور السياسي. وتُرك لكل لجنة من هذه اللجان حرية الاستعانة بمن تراه أهلا للنهوض بهذه المهمة الجليلة، وطلب منها الاسترشاد بالدراسات والاستراتيجيات والبحوث التي سبق إعدادها من قبل المؤسسات الحكومية ودور الخبرة وتقييم كل ما جرى إنجازه سابقاً، وصولاً إلى تقديم تقاريرها متضمنة الأهداف المنشودة والمبادرات المقترحة، إضافة إلى مؤشرات القياس والتقويم. أما محور التنمية السياسية، فقد أنيط باللجنة التوجيهية التي اختارت من بين أعضائها لجنة فرعية لبلورة المقترحات المتعلقة بالتنمية السياسية.

وبعدما أنجزت اللجان الفرعية تقاريرها، قامت اللجنة التوجيهية بمناقشة هذه التقارير معها، متوخية في ملاحظاتها ضمان التناسق والتكامل بين مختلف المبادرات الواردة من اللجان الفرعية. ومن ثم أقرت اللجنة التوجيهية التقارير النهائية للجان بعد إدخال التعديلات المتفق عليها، تمهيداً لرفعها إلى جلالة الملك.

وقد اتسمت مناقشات اللجنة التوجيهية بالعمق والصراحة. ولم يخْل الحوار من الاختلاف في الآراء والتباين في التصورات؛ وهو أمر طبيعّي في لجنة تتعدد فيها الاتجاهات الفكرية والسياسية وتتنوع فيها المواقف والرؤى. ورغم أن الإجماع على كل جزئية أمرٌ يصعب تحقيقه في مجموعة متنوعة يصل عدد أفرادها إلى سبعة وعشرين، إلا أن التوافق بين مجموعة تلتقي على حب الوطن والحرص على مصلحته لم يكن متعذراً. فنجحت اللجنة في ختام مداولاتها في الاتفاق على وثيقة الأجندة الوطنية في صورتها التي نقدّمها اليوم؛ فجاءت وثيقة شاملة ترسم في مجملها درباً لمستقبل زاهر يتمتع فيه الأردنيون بالرخاء والأمن والحرية والعدل والمساواة. وقد لا يتفق كل النّاس مع توصياتها جميعاً، ولا ينتقص هذا من أهميتها كونها تمثل إرادة صلبة وفكراً استشرافياً من مختلف شرائح المجتمع الأردني نحو إحداث نقلة إصلاحية نوعية في حياة الشعب الأردني، تترجم توجهات جلالة الملك وتكون على قدر ثقته. إن الأجندة الوطنية ليست ملكاً لمجموعة فكرية أو سياسية واحدة، وإنما جاءت لتمثل توافقاً وطنياً غطى مساحة واسعة من الطيف الفكري والسياسي الأردني. كما تمثل هذه الأجندة أول جهد عربي إصلاحي لا يكتفي بالحديث عن مبادئ عامة بل يتعداها لرؤية شمولية قابلة للقياس. ولجميع من ساهم في إعداد هذه الأجندة، كل الشكر والتقدير لإنجازهم المبدع وجهدهم الدؤوب؛ فلقد بذلوا جهداً موصولاً لم يلتفتوا فيه إلى مشقة أو عناء، وأعطوا دون حساب.

وإن كان هناك إجماع على الأهداف العامة للأردن الذي نريد، فلا شك أن الآليات والتشريعات تحتمل المزيد من التمحيص والحوار من خلال القنوات الدستورية للدولة الأردنية.

وتقع وثيقة الأجندة في مجلدين، يتضمن الأول التقريرَ النهائي عن أعمال اللجنة وملخصاً عن المبادرات المتعلقة بكل محور. ويحتوي المجلد الثاني على تقارير اللجان الفرعية التفصيلية. وسيتم توزيع المجلدين على الجهات المختصة وذات العلاقة لوضع الأجندة موضع التنفيذ بالتعاون بين أجهزة الدولة المختلفة والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني المعنية، بما يضمن ترجمة الأجندة لبرامج تفصيلية من قبل الوزارات ومؤسسات الدولة كافة، بما في ذلك مؤشرات الأداء التفصيلية.

إن صدور الأجندة الوطنية لا يعتبر نهاية المطاف بل بداية الطريق نحو مزيد من الإصلاح لتحقيق طموحات الأردنيين كافة. ولا بد من التأكيد، في هذا المضمار، على ما جاء رسالة جلالة الملك بتشكيل هذه اللجنة، من أن الوصول إلى الأهداف المنشودة لا يقتصر على الجودة والكفاءة في صياغة الإجندة، إنما الأهم هو القدرة على التنفيذ الفعلي والوصول إلى النتائج المرجوة على أرض الواقع، وعلى وضع الأسس والمعايير لقياس مدى النجاح والفشل في تحقيق هذه الأهداف، مما يتطلب وجود جهاز حكومي كفؤ يؤمن بالعمل المشترك الموجّه نحو تحقيق الأهداف ويعتمد أسس الكفاءة والجدارة والمساءلة.

إن اللجنة التوجيهية، وهي ترفع تقريرها إلى مقام جلالة الملك، لترجو أن تكون قد أوفت بما عهد إليها به من مهمة جليلة، وأن يحظى هدا التقرير برضى جلالته، وقبول المواطنين، وأن يحقق تنفيذ هذه الأجندة أحلام شبابنا ويضمن مستقبل أطفالنا والعيش الكريم لكل أردني وأردنية.

حفظ الله الأردن عزيزاً منيعاً مزدهراً في ظل صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبدالله الثاني بن الحسين المعظم.

 

اللجنة الوطنية للأجندة الوطنية

ملخص الاجندة الوطنية