البيان الوزاري لحكومة السيد عبد الرؤوف الروابدة

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على النبي العربي الأمين وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين

سيدي الرئيــــــس سادتي نواب الامة الاجلاء

ان حكومتي التي شرفها جلالة الملك عبد الله بن الحسين بأن تكون الاولى في عهده الميمون بعون الله ، وهي اذ تعتز بهذه الثقة الغالية ،فانها ترفع للأعتاب السامية أصدق آيات الولاء والعرفان ، وتدعو الله جل وعلا أن يعينها على حمل المسؤولية في مرحلة يعيش فيها الوطن والامة العديد من التحديات ، التي لن نقدر على مواجهتها الا بجهد وطني شامل يستثمر كل طاقات المواطنين ، أفرادا" ومؤسسات ، في جهد متناغم وفق تخطيط سليم واضح ، يتصدى لهموم الوطن والمواطن .

وانني اذ افخر بأنني زميل لكم ، خبرتموه على مدار ثلاثة مجالس نيابية ، صفحة مفتوحة ، يقول ما يؤمن به دون مواربة أو تستر ، وينصاع لرأي الأكثرية عن رضى وطواعية ، لأمد يدي اليكم ، زميلا" زميلا" ، للتعاون الصادق دون حدود ، والتشاور والتناصح في كل الامور ، مؤمنا" بأن هذا المجلس هو الممثل الشرعي لشعبنا ، كل شعبنا ، والمعبر عن آماله وطموحاته ، والركن المنيع من أركان الدستورية في هذا الوطن الطيب . وانني اذ أتقدم الى مجلسكم الموقر ببيان حكومتي طالبا" الثقة على أساسه ، فانني ارجو أن أجد منكم الدعم والتأييد والمؤازرة ، حتى نستطيع تنفيذ توجيهات جلالة الملك المعظم الشاملة كما جاءت في كتاب التكليف السامي ، وأن نحقق ما يصبو اليه الوطن من أمن واستقرار ، وما يتطلع اليه المواطن من حياة حرة كريمة ومستقبل واعد له ولأبنائه .

سيدي الرئيس ، سادتي الاجلاء ،
تتولى حكومتي المسؤولية ، متوكلة علـى الله تعالى ، ومعتمدة على جهود الاردنيين ، كل الاردنيين ، وهي تعلم حجم الأعباء والتحديات التي تواجهها ، لا تدعي القدرة على الاتيان بالمعجزات ولا تملك عصا" سحرية ، ولكنها تملك العزيمة الصادقة والارادة القوية لاطلاق طاقات الانجاز والابداع بمشاركة الجميع ، وتعتمد على التعاون الصادق مع مجلسكم الكريم ، وتؤمن ايمانا" جازما" بأن الاردن العربي قادر على تجاوز الازمات والتحديات كما أثبت على مدى الايام .

ان حكومتي تتطلع الى قيام حالة من التوافق الوطني حول كل الامور التي تهم الوطن والمواطن ، من خلال الالتزام بالدستور نصا" وروحا" ، وتحمل مسؤولياتها كاملة بأمانة ، لا تتهرب منها ولا تتساهل فيها ، تتعاون مع السلطات الدستورية دون حدود ، وتنفتح على المواطنين جميعا" ومؤسسات المجتمع المدني ، لقيام كل بدوره المرسوم وفق أحكام القانون ، تفتح الحوار مع الجميع دون مسلمات سوى الدستور والنظام ، ودون مواقف مسبقة تدعي احتكار الحقيقة والصواب ، ودون تخندق يؤدي للانعزال ، تبحث كل الامور والمواقف بعقل منفتح يفتش عن الحقيقة فالحكمة ضالة المؤمن وهي ليست حكرا" على أحد ، وهي تؤمن بأن التعددية ركن أساس في الديموقراطية ، وستتحاور مع الاحزاب ، كل الاحزاب ، حول كل أمر يرون بحثه ، تفتح كل الابواب للنقاش الهادىء المسؤول ، نطرق كل باب مغلق أو موارب ، لا نتعصب ولا نقبل تعصبا" ، ننأى عن الاتهامية ولا نقبلها . اننا نقدر للنقابات المهنية والعمالية دورها الطليعي وما قدمته لخدمة هذا الوطن ، ونحن اذ نحترم دورها فسنسعى لتعزيزه ونتعاون معها لتطوير العمل المهني وتوفير الخدمة المثلى للمواطن ، ونعتبرها دور خبرة ونتعامل مع كل نقابة كمستشار لنا في مجال اختصاصها .

سيدي الرئيس ، سادتي الأجلاء ،
ان مجتمع الاسرة الاردنية الواحدة ،الذي بناه راحلنا العظيم الحسين طيب الله ثراه ، ويرعاه خليفته جلالة الملك عبد الله أدام الله ملكه وسدد على طريق الحق والخير خطاه ، كان السبيل لبناء هذا الوطن العزيز القوي ، وحماية أمنه واستقراره ، والحفاظ على سيادته واستقلاله ، وتعزيز الانتماء اليه . ان حكومتي تؤمن ايمانا" جازما" ، ان جميع المواطنين ، مهما كانت منابتهم وأديانهم وأعراقهم وآراؤهم ، متساوون في الحقوق والواجبات ، لا تفريق بينهم أو تمييز لأي سبب كان ، وهم شركاء في الوطن ، شراكة شيوع لا تقبل القسمة ، أصحاب حق في المساهمة ببناء الوطن والتمتع بخيراته ، ولذا فاننا سنتصدى بكل عزم ودون تردد لمحاربة كل من يحاول اثارة النعرات الاقليمية أو الجهوية أو الطائفية أو العرقية ، فالخصوصية الوطنية واحدة لا تقبل الانقسام أو التجزئة ، والهوية الوطنية ملك للجميع ليس لأحد فيها فضل على أحد .

ان حكومتي جادة في ترسيخ الوحدة الوطنية وتجذير مفهوم الاسرة الواحدة المتحابة من خلال سيادة القانون ، وتطبيقه على الجميع بعدالة ونزاهة ، حتى يتمتع كل فرد بحريته وحقوقه وكرامته ، وحتى لا يستقوي أحد على أحد ، كائنا" ما كان موقعه أو مسؤوليته ، والقضاء العادل النزيه هو الضمانة الاساسية لتلك السيادة . اننا اذ نفخر بمؤسسة القضـاء الاردني ، فاننا في الوقت نفسه سنعمل على تعزيز استقلالها والحيلولة دون التدخل في شؤونها من أي جهة ، ولذا فاننا سنتقدم قريبا" لمجلسكم بمشروع لقانون استقلال القضاء يجعل المجلس القضائي المرجع الوحيد لجميع شؤون القضاة ، دون وصاية أو مشاركة أو تأثير من أي جهة ، كما سنعمل على تحسين دخول القضاة وتحسين ظروف عملهم وتوفير الاستقرار المعيشي والبعثات والدورات لهم ، كما سنعمل بالتعاون مع جهاز القضاء لاعداد مشاريع جديدة للقوانين التي تحكم اجراءات التقاضي بشكل يقصر تلك الاجراءات ويضمن المحاكمة العادلة وسرعة أصدار الأحكام وتنفيذها لأن الوقت جزء اساسي من العدالة ، كما سنعمل على حوسبة العمل في المحاكم وتطوير الاجهزة المساندة لها ، الادارية والتنفيذية ، وفصل موازنة القضاء عن موازنة وزارة العدل ووضعها بتصرف الجهاز القضائي وحده .

سيدي الرئيس ، سادتي الاجلاء ،
ان الديموقراطية ، هي منهج الحيـاة الذي ارتضيناه ، وهي الركن المنيع الذي يضمن بناء الوطن المستقر القوي المزدهر ، ويضمن حماية حقوق الافراد وحرياتهم وتمتعهم بها دون تسلط أو ترهيب من جهة ودون تعصب أو تزمت او انحراف من جهة أخرى ، فيصبح المجتمع وحدة متراصة مهما تعددت الآراء والمواقف ، عصيا" على الاختراق والتفتت ، وتقوم فيه حالة من التنافس الشريف المسؤول بين الأكثرية والاقلية ، فتخضع الاقلية لرأي الاكثرية ، وتحترم الأكثرية الاقلية فتتيح لها التعبير عن رأيها والدفاع عنه وتستمع لذلك الرأي وتحاكمه باحترام ومسؤولية .

ان حكومتي مصممة على ترسيخ قواعد الديموقراطية ومماراساتها في جميع مناحي الحياة ، في اطار من الاعتدال والتسامح والاحتكام للقانون ، والحرية في الفكر والرأي والتعبير ، واعتبار الحرية صنو المسؤولية والا وقعنا لا سمح لها في التسيب والانفلات والفوضى . اننا نؤمن ان المعارضة جزء فاعل ورافد رئيسي من روافد العمل الوطني ، في اطار من التعاون والتناصح والنقد البناء والاحترام المتبادل والنأي عن ادعاء احتكار الصواب والبعد عن الاتهامية أو التجاوز على مصلحة الوطن وسمعته وانجازاته . ان انفتاح حكومتي على الاحزاب المشروعة ، وفتح الحوارات معها ، هدفه تعزيز الوفاق الوطني وتعظيم عناصر الاتفاق ، نتعاون فيما نتفق عليه ، ويعذر بعضنا بعضا" فيما نختلف فيه .

سيدي الرئيس ، سادتي الاجلاء ،
ان قواتنا المسلحة الاردنية ، الجيش العربي ، الذي بذل فأجزل ، وضحى دون منة ، مثال الالتزام والانضباط ، يحمي الديار ويصون الذمار ، سياج الوطن وفخر اهله ، رافع راية الوطن حين يدعو داعيه ، المدافع بشرف عن حدوده والحارس الأمين لمسيرته وانجازاته ، سنحاول بكل السبل رعايته ودعمه بحبات العيون وكما يحب قائده الأعلى " أبي الحسين " ، نوفر له التجهيز والتسليح على أحدث مستوى ونعتني بضباطه وأفراده أفضل عناية ، وسنحاول ، بالتعاون مع قيادته ، الاستفادة من طاقاته المبدعة في الاعمار والبناء . أما الأجهزة الأمنية ، التي ضمنت لهذا الوطن الأمن والاستقرار وللمواطن التمتع بحرياته وكرامته ، وكانت على الدوام العاملة باخلاص وتجرد حتى اصبح الاردن نموذجا" في هذا المجال ستجد من حكومتي ما تحتاجه من دعم وتطوير ورعاية ، حتى تكون قادرة على التجاوب مع المستجدات والظروف المتغيرة ، ونستقطب لها الدعم الشعبي الذي يعينها على أداء دورها بشكل متميز .

سيدي الرئيـس ، سادتي الاجـلاء ،
أما الادارة العامة ، فقد بدأت تشهد العديد من ظواهر البيروقراطية والترهل والتسيب ، كما تسربت اليها عناصر الاستغلال والانحراف ، وأسهم في ذلك التعدد في المؤسسات والازدواجية في العمل والتضارب فـي الصلاحيات ، وعدم العدالة والموضوعية في اختيار القيادات أحيانا" ، وفقدان الرقابة الفعالة والتقييم الموضوعي للأهداف والخطط ومعدلات الانجاز ، ولذا فان حكومتي ستولي الاصلاح الاداري عنايتها القصوى ، لأن خطط الحكومة وبرامجها لا يمكن تنفيذها بدقة الا من قبل جهاز اداري كفوء منضبط ، يعرف مسؤولياته بوضوح وينهض لتنفيذ واجباته بالتزام ذاتي وحب للعمل وانتماء للواجب ، ومن هنا فاننا سنركز على اعادة النظر في الهيكل الاداري العام ، وتقليل عدد المؤسسات المستقلة وتوحيد المتشابه منها وربطها بالوزارات المختصة ضمانا" لجدية المساءلة أمام مجلسكم الكريم .

كما سنركز على اختيار القيادات الادارية على قاعدة من الكفاءة والخبرة والنزاهة والقدرة على الانجاز ، وضمان انتماء القائد الاداري لمؤسسته والاعتماد على الأداء المتميز والابداع ، والنأي بتلك القيادات عن الارتكاز على أي ولاءات تعصبية أو الاعتماد على ما تظنه مراكز قوى . ستكون الحكومة سندا" لكل منجز مبتكر يؤدي واجبه بأمانة وشرف ، يتعامل مع المواطنين على أنه خادم لهم ، ويسهل لهم الحصول على خدماتهم بيسر واحترام ، كما ستكون صارمة مع كل متواكل يتلكأ في الانجاز أو يعطل شؤون المراجعين دون مبرر منطقي قانوني ، وستجثث بجرأة وبالطريق القانوني المشروع كل من يستغل الوظيفة له أو لغيره بأي شكل من الاشكال ، كبيرا" كان أم صغيرا" ، لا تأخذها في الحق لومة لائم .

لقد كثر الحديث عن الفساد ، دون اتخاذ اجراءات رادعة ، وأحيانا" دون دليل ، حتى اصبح الامر مجالا" للتنـدر ، بأننا نسمع جعجعة ولا نرى طحنا" ، الأمر الذي قادنا الى مرحلة الادارة المرعوبة ، التي تتواكل وتتخاذل عن الانجاز ، فقد أصبح الاتهام يطال للجميع وتمت التعمية على الفاسدين ، ولذا فان حكومتي ستتصدى للتحقيق الجدي في كل اتهام أوشك حتى نصل الى الحقيقة ، فنضرب على يد الفاسدين ونقدمهم الى القضاء ليجدوا جزاءهم العادل ، ونحمي سمعة الامناء المنجزين ونتيح لهم كل فرص الترقية وتبوء المناصب القيادية ، وسننشىء ديوان المظالم الذي يتولى متابعة شكاوى المواطنين وتظلماتهم ، وايصالهم الى حقوقهم ، ووضع حد لكل أشكال العنت والتجني ، كما سنعزز ديوان المحاسبة ونزوده بالكفاءات والتجهيزات التي تساعده على أداء دوره الدستوري ونطور قانونه واجراءاته بشكل يضمن سرعة العمل من جهة وحماية المال العام من جهة أخرى .

ان الكثير من التشريعات الادارية قديمة لا تماشي تطور الدولة وتوسع خدماتها ، وغدت الاجراءات الادارية طويلة معقدة ترهق المواطن وتكبده النفقات غير المبررة وتضيع الكثير من الوقت ، ولذا فان تطوير تلك الاجراءات وتبسيطها هدف عاجل سننهد له بسرعة وموضوعية ، حتى يسهل على المواطن الوصول الى مطلبه وفي أقرب وحدة ادارية اليه . اننا نعلم أن هذا الامر بحاجة الى جهد كبير لتطوير المفاهيم والسلوكيات الادارية ، ولكننا عازمون على تجاوز ذلك بالاصرار والمتابعة الحثيثة والرقابة المستمرة . وسنتشاور مع مجلسكم الكريم حول اعطاء الاقاليم الشخصية المعنوية والموازنة الخاصة والمجالس المنتخبة التي تتولى الرقابة على تنفيذ الخدمات المحلية وتطويرها . والمجالس البلدية بحاجة الى تطوير من حيث المفهوم والمسؤوليات ، بهدف اشراك المواطنين في تقرير حاجاتهم وتوفيرها ، وضمان وحدات ادارية كفوءة قادرة على التخطيط السليم والادارة الحصيفة والتنفيذ الجدي والتمويل اللازم . والخروج من اطار الخدمات وحدها الى الاسهام في عملية التنمية الوطنية الشاملة وتحريك طاقات جميع المواطنين للعمل والبناء .

وستنجز الحكومة المخطط الشمولي لاستعمالات الاراضي في اقليمي الجنوب والشمال خلال العام الحالي لضبط استعمالات الاراضي لغايات السكن والزراعة والصناعة واعادة توزيع الموارد والخدمات . كما ستقوم الحكومة باجراء الانتخابات البلدية في موعدها المحدد بنزاهة وتجرد وفق أحكام قانون البلديات النافذ المفعول .

سيدي الرئيس ، سادتي الاجلاء ،
اننا نعتقد اننا نواجه ثلاثة قضايا حادة هي الوضع الاقتصادي والبطالة والفقر والمياه ، وهي هموم مزمنة ساهمت في تضخيمها ظروف محلية وخارجية ، ولكنها في المحصلة نتيجة لعدم أخذ القرار الصحيح في وقته المناسب والاعتماد على عامل الزمن في حل القضايا ، ولذا فاننا عازمون ، بعون الله ، وبالتعاون مع مجلسكم الكريم ، ومع كل القوى والفعاليات ، على التصدي الجاد لمعالجة هذه الهموم ، ونحن على يقين أن الحل ليس سهلا" ولا سريعا" ، وانه قد يستدعي اتخاذ اجراءات قاسية وصعبة ، الا أننا نؤمن ان التشاور والمشاركة والمصارحة ستسهل علينا جميعا" اجتياز هذه المرحلة وفتح الطريق لمرحلة جديدة أكثر اشراقا" واملا" بالمستقبل .

ان الصيغ اللفظية الواسعة الاحتمالات ، والاهداف الكبيرة النظرية ، قد تستهوي ولكن لفترة قصيرة ، ولذا فان حكومتي ستعتمد على الوضوح وتضع من الاهداف ما يمكن تنفيذه . ان الاقتصاد الاردني تجاوز مرحلة تباطوء النمو الى مرحلة التراجع ، والركود يحس به كل مواطن ولا تفيد في تفنيده أو تبريره أي نظرية . صحيح أن العديد من دول العالم ومعظم دول المنطقة تعاني من ذلك ، ولكن ظروفنا وأحوالنا المعيشية ومصادر دخلنا المحدودة تجعل الآثار السلبية لذلك الركود أصعب من قدرة المواطن على التحمل ، ولذلك فلا بد من اجراءات عاجلة توقف التراجع وتحفز على عودة النمو بسرعة .

ان وقفة الاشقاء والعالم معنا في وداع مليكنـا الراحل ، رحمه الله ، تستدعي الانطلاق منها والبناء عليها وسرعة التفاعل معها لتحريك عجلة النمو الاقتصادي . والمبادرات الاولية تبشر بالخير ، وسنعمل بكل السبل المتاحة لترجمة تلك العواطف النبيلة الى عون للاردن في مختلف المجالات وبخاصة في مجال الاستثمارات المشتركة وتصدير القوى العاملة والمنتجات الاردنية . ان الحكومة مصممة على ابراز دور القطاع الخاص الاردني ، واخراجه من مرحلة المشاورة الى مرحلة المشاركة في الدراسة وتحديد الواقع وأخذ القرار ، فلم يعد الوقت يسمح لأحد بأخذ دور المتفرج الناقد ، فالمشاركة هي عنوان المرحلة وما لم تتعاون كل القوى والفعاليات ، كل في مجاله ، فلن يكون بامكان الحكومة وحدها وضع الحلول الناجعة وتنفيذها . ان البطالة مرض فتاك ، وهي سبب الفقر ومنشؤه ، وهي سبيل للاحباط والمعاناة ، وهدر لطاقات أنفق عليها المجتمع من شحيح ماله .

ان البطالة في تضخم مستمر ، فالقطاعان العام والخاص لا يستوعبان الا جزءا" يسيرا" من القوى التي تنزل الى سوق العمل سنويا" ، والعمالة الوافدة في تزايد مستمر ، وهكذا ندخل في حلقة مفرغة تتزايد خطورة سنة بعد أخرى ان لم تؤخذ اجراءات جادة لوقفها . وتتفقون معنا ، أيها الاخوة ، ان الحلول ليست سريعة ، ولكنها كذلك ليست مستحيلة ، وبالامكان اختراق هذه المعضلة ، ولذا فاننا سنركز جهدنا على ترشيد استخدام العمالة الوافدة بقصرها على المجالات التي لا يتوفر فيها البديل الاردني ، وتحسين ظروف عمل الاردني وتشجيعه على الخدمة في شتى المجالات ، وسنعمل على اعادة تدريب وتأهيل العاطلين عن العمل لمواجهة الحاجات المتغيرة لسوق العمل ، كما سنعمل بالتعاون مع العديد من الدول العربية الشقيقة على استيعاب جزء من العمالة الاردنية وقد أبدوا تعاونا" مشكورا" في هذا المجال ، كما نعتقد أن تحريك عجلة الاستثمار سيساعد على امتصاص جزء كبير من هذه البطالة .

لقد تعددت الجهات الرسمية والشعبية التي تعمل مشكورة في مجال مساعدة الفقراء والمحتاجين ، ولكن أدوارها بدأت تتقاطع ، وأصبح الشطار يستفيدون من معظم الجهات ، كما يصل العون أحيانا" الى من لا يستحقه ، ولذا فاننا سنعيد النظر في أسلوب عمل صناديق العون الاجتماعي والزكاة بشكل يكفل تحديد الادوار بدقة ومنع التكرار والازدواجية وايجاد سجل مركزي للأسر الفقيرة حتى تتعاون جميع المؤسسات في مساعدتها ، فقد آن الاوان للتفريق بين الفقر الحقيقي وبين الاحساس بالفقر او ادعائه ، وذلك لحشد كل الجهود لدعم الفقراء حقيقة وبخاصة أولئك الذين يحسبهم الناس أغنياء من التعفف لأنهم لا يسألون بالحاف .

ان العمال هم مادة التنمية ووسيلتها ، ولذا فاننا ومن منطلق التقدير لحركتنا العمالية ، ودور العمال في البناء والانجاز ، سنعزز التعاون مع الاتحاد العام لنقابات العمال ونقاباته بهدف الارتقاء بسوية العمل وحماية حقوق العامل وتحسين التأمينات الاجتماعية وتطوير تشريعاتها وقيام حالة من التوافق والتعاون بين اطراف الانتاج ، والتركيز على التدريب والتثقيف والتوجيه المهني ، وتنظيم عملية التشغيل داخليا" وخارجيا" ، والعناية بشؤون الاردنيين العاملين في الخارج . ان مصادرنا من الطاقة شحيحة ، واستهلاكنا في تزايد ، ولذا فان حكومتي ستركز على التنقيب عن البترول والغاز الطبيعي بالتعاون مع الدول الشقيقة والشركات المؤهلـة ، وستولى عناية لموضوع الصخر الزيتي المتوفر بكثرة في جنوب الاردن بهدف انتاج النفط الخام وتوليد الكهرباء ، وسنسعى لاستقطاب الشركات العالمية لهذه الغاية نظرا" لضخامة الاستثمار المطلوب ، كما سنعمل على تطوير استخدام الطاقة الجديدة والمتجددة وتطوير البحث في هذا المجال واستقطاب الاستثمارات المحلية والعالمية لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية والرياح .

ان ثروتنا المعدنية بحاجة الى مزيد من الاستكشاف والتنقيب والتقييم وستقوم الحكومة بجهود تسويقية جدية لزيادة صادراتنا من جهة ولتشجيع الشركات المحلية والعربية والدولية على الاستثمار في الخامات المعدنية الجديدة . لقد تم انجاز الربط الكهربائي الاردني المصري وتم تدشينه في 16 / 3 / 1999 ، عنوانا" رئيسيا" من عناوين التعاون العربي ، وسيتم خلال العام الحالي الربط الكهربائي مع الشقيقة سوريا تمهيدا" لاكمال عملية الربط مع لبنان وتركيا وأوروبا ، وهناك وصلة من المشروع للربط مع العراق الشقيق ونأمل أن يتم شمول العراق بالربط فور أن تزول الغمة والحصار عنه .

سيدي الرئيس ، سادتي الاجلاء ،
ان اعداد القوى البشرية التي تبني الاوطان وتفتح لها آفاق المستقبل ، يجب أن تنهد له جميع فعاليات التربية والثقافة والتوجيه الوطني ، ضمانا" لتنشئة جيل مؤمن بربه ملتزم بقيمه ومثله ، مزود بالعلم النافع ، مثقف واسع الافق ، يعتز بالانتماء لوطنه ونظامه وبالولاء لأمته ، منفتح على الحضارات والمستجدات . ان المؤسسة التربوية كانت ومنذ انشاء الدولة الاردنية الحديثة منارة العمل الجاد وأساس النمو والتطور ، ولكن التوسع الكمي في التعليم ، وهو حق دستوري ، قد أدى أحيانا" الى عدم التركيز على التعليم النوعي ، وعلى سرعة التجاوب مع تطور حاجات المجتمع ، وقد شهد العقد الاخير محاولة جادة للتطوير التربوي ، الا أن نجاحاته البارزة كانت في الجوانب المادية كانشاء المدارس الحديثة ، ووضع المناهج والكتب المدرسية مثلا" ، الا أن ما طال المعلم وهو أداء التربية وسبب نجاحها وناقل التخطيط والتوجيه الى ميدان الواقع ، ما زال أسير ظروف أفقدته دوره القيادي المتميز الذي كان يتمتع فيه في المجتمع ، وهو يعمل في ظروف صعبة لا يعيشها موظف آخر فقل الاقبال على المهنة حتى اقتصر على عشاقها أو من لا يجدون عملا" في مكان آخر . ستعمل حكومتي على اعادة النظر في العملية التربوية برمتها، من خلال مؤتمر وطني للتربية نستقطب له كل الكفاءات الاردنية والعربية والدولية ، فنضع خطة تربوية شاملة تعيننا على مواجهة متطلبات مطلع القرن القادم .

وسنولي عناية قصوى للبادية والقرى النائية لتوفير ظروف تربوية عادلة مع المدن ، وسيكون للمعلم عناية خاصة . قد لا تساعد الظروف المالية الحالية على عمل الكثير للمعلم ، ولكننا عازمون على توفير الحوافز التي تعينه على القيام بمهمته الجليلة ، من حيث الاسكان والنصاب التعليمي والرتب التربوية والترقية ، كما نؤمن بايجاد تنظيم مهني للمعلمين ، وفق أحكام الدستور ، يجمع طاقاتهم المهنية للارتقاء بالتربية والمربين .

ان البناء المدرسي مكلف ولكن استغلاله يتم لفترة محدودة ، ولذا فاننا سنحاول فتح المدرسة للمجتمع المحلي للاستفادة من مرافقها وكذلك للاسهام في نشاطاتها وكسر الحواجز بينها وبين أولياء الامور ومؤسسات المجتمع المحلي . وسنحاول أن تكون المدرسة ميدانا" لتعليم الديموقراطية بأصولها وممارساتها ، وترسيخ مفاهيم الاعتدال والوسطية والتفكير الابداعي والحوار الحر وتعزيز الانتماء الوطني والقومي ، والاعتزاز بانجازات الوطن والحفاظ عليها ، ونشر المعلم والمعرفة ، واعطاء القدوة الحسنة التي تغري بالتأسي ، والحفاظ على تراث الامة وتجذير قيمها الاصيلة التي لم تعرف يوما" التعصب والانغلاق . أما الحركة الثقافية ، فلن تبقى على هامش اهتمامات الحكومة ، ولكنها ستجد الدعم الذي تستحق ، فنعيد النظر بالمؤسسات التي تعنى بالثقافة ، بهدف تطويرها لتصبح مجالا" للابداع الفكري المتميز ، والعناية بالمبدعين ورعاية شؤونهم ونشر انتاجهم الجيد ، في اطار من الحفاظ على شخصية الوطن وابراز دوره الريادي ، والتفاعل مع قضايا الامة بوعي يصون الحاضر ويستشرف المستقبل الافضل .

لقد تراجع دور الفنون وقل الاهتمام بالفنانين ، ولذا فاننا سنولي رعاية الفنون والفنانين العناية التي نراها ضرورية ، ونفتح لهم أبواب أجهزة الاعلام المرئي والمسموع ، ونجعل التعاون الفني جزءا" أساسيا" من اتفاقيات التعاون مع الاشقاء والاصدقاء كما سنعمل على ان يكون دور الفنان الاردني أساسيا" في المهرجانات الفنية الاردنية التي سنسعى لتطويرها في جميع أرجاء الوطن .

أما الاعلام الاردني ، بمختلف مؤسساته العامة والخاصة ، فاننا جادون في الانفتاح عليه بوعي ومسؤولية ، ليؤدي دوره الاساسي في حياتنا الديموقراطية ، يبرز الانجاز وينقد التقصير ، يعمل بحرية لا سقف لها الا المسؤولية المشتركة في رعاية مصالح الوطن ، نطور تشريعاته ، جميع تشريعاته ، بالحوار والتشاور مع مؤسساته ونعرض خلاصة ما نتوافق عليه على مجلس الامة .

اننا نؤمن أن الاعلام ليس حكرا" على المسؤول أو على وجهة نظر احادية ، وان حق المواطن علينا ان يطلع على جميع الافكار والآراء وان اختلفت معنا ، وأن يتم ذلك في اطار من التعاون على البر والتقوى وايلاء العناية الاولى لمصالح الوطن ، وسنعمل على استقطاب الكفاءات الاردنية المبدعة التي تعبر عن صورة الاردن وواقعه ومصالحه بمصداقية والتزام ، وسنفتح كل الابواب والنوافذ للرأي والرأي الآخر .

وأما التوجيه الديني ، فله عندنا في الاردن الهاشمي مكانة خاصة نفخر بها ونعتز برعايته ، ولذا فاننا سنعمل على تعزيز هذا التوجيه بالكفاءات القادرة على نشر رسالة الاسلام الخالدة ، ومقاومة كل المحاولات التي تشوه صورتها المشرقـة ، التي تقوم على الايمان وتحض على العمل ، وتدعو الى المحبة والتعاون وبناء المجتمع المتماسك الذي يرفض التعصب المقيت وفي الوقت نفسه يرفض التجاوز على المعتقدات ، يقبل الانفتاح ويرفض الاغراق والاختراق . ستعمل حكومتي على رفد مؤسسات التوجيه الديني بالدعاة المؤهلين وتوفير الرعاية التي يستحقون . والتأهيل والتدريب الذي يوصل الفهم الواعي لرسالة الاسلام ، الذي يجمع ولا يفرق ، يعزز قيم المحبة وينأى عن الصراع ، كما ستعمل على تطوير مؤسسة المسجد كمركز للاشعاع في المجتمع ، وتشكيل لجنة لكل مسجد من أهل الحي تدير شؤونه وترعى أموره في اطار من الالتزام بالشرعية وفق احكام القانون وهو معروض على مجلسكم الكريم لتروا فيه رأيكم . وسنسرع عملية تطوير المقامات الدينية واقامة المواسم التي تشجع السياحة الدينية للاسهام في التنمية والتعريف بالاردن ودوره العربي الاسلامي .سيدي الرئيس ، سادتي الاجلاء .

ان النهضة التي شهدها الاردن في مجال الخدمات ، في عهد المغفور له جلالة الملك الحسين عليه من الله الرحمة والرضوان ، ارث وطني واجبنا الحفاظ عليه وتطويره والتوسع فيه ، في عهد سيدي صاحب الجلالة الملك عبد الله بن الحسين أدام الله ملكه ، الذي كانت توجيهاته السامية العناية بالانسان الاردني ، وتوفير كل سبل الرعاية التي تضمن له حياة كريمة حرة يطمئن فيها على حاضره ومستقبله ومستقبل أبنائه . لذا فان حكومتي ستعمل بأقصى طاقة لتعزيز الخدمات العامة وتحسين أدائها ونشرها بعدالة على كامل رقعة الوطن وشمولها لكل مواطن يحتاجها دون تمييز .

ان الخدمات الصحية أصبحت بحاجة الى اعادة نظر مؤسسية ، تحافظ على الانجازات من جهة ، وتطورها لمواكبة أحدث المستجدات ، ولذا فاننا عازمون على تطوير المجلس الصحي العالي ليأخذ دوره في رسم السياسة الصحية ووضع الخطط والبرامج التي تضمن تكامل الخدمة والتنسيق بين جميع المؤسسات بشكل يكفل الحصول على الخدمة المثلى وبأقل التكاليف ، فالثروة الوطنية لا تحتمل الهـدر والازدواجية ، وسنعمل على زيادة عدد أسرة المستشفيات وانشاء مستشفيات جديدة وبخاصة في سحاب وذيبان ووادي موسى وبني كنانة . ان التأمين الصحي الشامل هو الهدف الامثل لرعاية صحية مثلى ، ونحن نؤمن ان الوصول اليه في الظروف الاقتصادية التي يعيشها الوطن ليس أمرا" سهلا" ، ولكننا مطالبون بالسعي نحو انشائه دون تباطؤ ، ولذا فاننا سنعمل على التوسع التدريجي في مظلة التأمين بحيث تشمل جميع ذوي الدخل المحدود ، حتى لا يحرم مواطن من الخدمة الصحية بسبب ظروفه الاقتصادية ، وسنعمل على توسيع نشاطات الضمان الاجتماعي للدخول في حقل الرعاية الصحية بجدية ، مستفيدين من النهضة الكبيرة التي يشهدها القطاع الخاص . وسنعمل على التوسع في خدمات التطعيم الوطني وخدمات الامومة والطفولة ومكافحة الامراض السارية والمتوطنة .

لم يعد الاهتمام بالبيئة ترفا" ، فقد غدا التلوث أمرا" يثير القلق ، وهو بحاجة الى جهد كبير تتعاون فيه كل المؤسسات الوطنية ، حتى نضمن للمواطن بيئة نظيفة ، ونحمي ثروتنا الوطنية من الارض الزراعية من الاعتداء واساءة الاستعمال ، وسنعمل يدا" بيد مع كل المؤسسات التطوعية في هذا المجال ، وبخاصة تلك المهتمة بالبيئة وحماية الطبيعة ومكافحة التصحر ، كما سنعمل على تطوير مشروع وطني للتحريج وزراعة الغابات وجوانب الطرق مستفيدين من طاقات الشباب واقامة المعسكرات التي تعنى بذلك وسيكون للطلاب وقواتنا المسلحة الباسلة دور بارز في هذا المجال يجري بحثه حاليا" مع الاجهزة المختصة . وستنجز الحكومة مشروع النفايات الضارة في منطقة سواقة بشكل يكفل التخلص من تلك النفايات بأسلوب علمي .

ان شبكة الطرق الدولية والرئيسية ثروة وطنية لا بد من الحفاظ عليها وتأمين عناصر السلامة المرورية عليها وصيانتها باستمرار وستنشىء الحكومة صندوق الطرق وتأمين التمويل اللازم له لاجراء الصيانة المستمرة للطرق بشكل فعلي وسيشترك القطاع الخاص في ادارة هذا الصنـدوق ، كما ستعنى الحكومة بالطرق القروية والزراعية من حيث الانشاء والصيانة بهدف ضمان استفادة المواطنين من أراضيهم الزراعية المهملة ، وستعمل على وضع برنامج وطني لاستكمال انشاء الابنية الحكومية المناسبة والاستغناء عن المستأجر منها . ان قطاع الانشاءات يعاني من الكثير من المشاكل والعقبات ، ولذا ، فان الحكومة ستعمل على دعم هذا القطاع الحيوي وتحديث تشريعاته وتطوير أساليبه ومؤسساته حتى يكون قادرا" على القيام بدور فعال في مواجهة متطلبات المملكة .

أما في مجال الاسكان فان الحكومة عازمة على انشاء صندوق ادخار لموظفي الدولة لغايات الاسكان والتوسع في المشاريع الاسكانية للموظفين وذوي الدخل المحدود وتشجيع القطاع الخاص على ريادة هذا القطاع والتوجه نحو توفير التنظيم والخدمات لقطع أراضي يترك للمواطنين البناء عليها بالشكل الذي يناسبهم ، وسنعمل على دعم صندوق اسكان القوات المسلحة والمعلمين .

سيدي الرئيس ، سادتي الاجلاء ،
غني عن البيان أهمية الطاقات الشبابية ، وتوجيهها لخدمة الوطن واعدادها لمواجهة المستقبل ، ولذا فان حكومتي عازمة على اعادة النظر بالمؤسسات التي ترعى الشباب ، وايجاد منظمة شبابية تجمع تلك الطاقات وتنظمها بأسلوب علمي يؤدي الى خدمة الوطن في مختلف المجالات ويدربها على العمل الجماعي بروح الفريق الواحد المتناغم ، ويحبب اليها العمل اليدوي ، ويدربها على المجالات التي يحتاجها الوطن ، ويؤدي الى اكتشاف الطاقات القيادية والابداعات الفكرية حتى نضمن استثمارها بشكل جيد .

أما الرياضة فلها في برنامجنا اهتمام متميز ، ولذا فان حكومتي عازمة على الخروج من حالـة التشرذم ، وايجاد اتحاد رياضي تنضوي تحت مظلته كل النشاطات الرياضية ، حتى نستطيع ايجاد حالة رياضية تعزز الانتماء للوطن ، كل الوطن ، وتقوم على المنافسة الشريفة ، وحفز جميع الطاقات الوطنية لدعم الابداع الرياضي وتكريم المبدعين وتوفير الحياة الكريمة لهم ، ونشر المدن الرياضية والملاعب لتعم جميع مناطق المملكة والاستفادة من ملاعب المدارس ، وسنولي عناية خاصة لدورة الحسين الرياضية العربية التاسعة ، وفاء لراحلنا العظيم من جهة ، وابرازا" لدور الاردن من جهة أخرى .

سيدي الرئيس ، سادتي الاجلاء .
ستعنى حكومتي بشؤون المرأة الاردنية ، حتى تأخذ دورها في جميع مجالات الحياة ، فهي بحاجة الى الدعم والمساندة للانتقال الى دور ايجابي في مجال التنمية والمشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية ، في اطار من المحافظة على كرامتها ودورها وحقوقها . وفي الوقت الذي سنحارب فيه كل أشكال التمييز ضدها حتى تتبوأ المراكز التي تستحق فاننا سنتقدم الى مجلسكم الكريم بالتعديلات التشريعية التي ترفع عنها كل اسباب العنت أو الظلم أو انتهاك الحقوق ، فلم يعد بالامكان بناء المجتمع المتماسك دون تعاون جميع أطرافه على قاعدة من العدالة والمساواة وتوزيع الادوار والحفاظ على الحقوق تمهيدا" لحسن أداء الواجبات . ان الاطفال بحاجة الى عناية قصوى ، ولذا فان حكومتي ستركز على انشاء دور الحضانة لرعاية أبناء الام العاملة ، وادخال رياض الاطفال ضمن المدارس الرسمية ضمانا" لتبكير عملية التعليم ، كما سنعمل على رعاية الايتام والاطفال المشردين ، وانشاء دور الرعاية وتطوير القائم منها وتعزيز دور العمل التطوعي في هذا المجال ودعمه ، حماية لاطفالنا من عناصر الغواية واساءة الاستغلال .

سيدي الرئيس ، سادتي الاجلاء ،

ان القطاع الزراعي بحاجة الى رعاية وعناية خاصة لتطويره ورفع مستوى أدائه ، ضمانا" لحصول المزارعين وهم القطاع الاكبر في مجتمعنا على المردود الجيد لجهودهم ، ولذا فان حكومتي ستعمل على التوسع في الخدمات الزراعية والارشاد الزراعي الكفؤ الميداني ، وتوفير مدخلات الانتاج بأسعار معقولة ونوعية جيدة ، ووضع استراتيجية مبرمجة للاقراض الميسر لمستحقيه وبخاصة صغار المزارعين ، وتنفيذ النمط الزراعي والتركيز على الزراعات القابلة للتصدير ، وفيرة الانتاج قليلة الحاجة للمياه ، وتأمين الانتاج الزراعي ، ووضع آلية فعالة للتسويق الزراعـي ، وتشجيع اقامة الصناعات الزراعية للاستهلاك المحلي والتصدير ونشرها على جميع مناطق الانتاج ، واتاحة المجال للمواطنين لاستثمار أراضي الدولة وفق أسس عامة واضحة وعادلة تقوم على الاستغلال المجدي وتحول دول العبث أو اساءة الاستعمال .

وسنولي اتحاد المزارعين والجمعيات التعاونية الزراعية عناية قصوى ونفعل أدوارها حتى تستقطب جميع الفعاليات الزراعية . وسنركز بشكل خاص على مربي الماشية لتجاوز المرحلة الحرجة التي يعانون من آثارها وذلك بتوفير الاعلاف بكميات كافية وبأسعار معقولة وبقروض دون فائدة ، وتوفير مياه الشرب والخدمات التي يحتاجها هذا القطاع الهام ، والحد من تاثير الاستيراد على هذا القطاع الحيوي لأمننا الغذائي .

سيدي الرئيس ، سادتي الاجلاء ،
ان حكومتي تؤمن بوحدة مصير الشعبين الاردني والفلسطيني ، وهي اذ تعتز بالدور الاردني في القضية الفلسطينية ، فانها ستقف مع الشعب الفلسطيني الشقيق وسلطته الوطنية دون حدود لتأكيد حقه في هويته والحصول على جميع حقوقه المشروعة التي كفلتها الشرعية الدولية والوصول الى اقامة دولته المستقلة كاملة السيادة على ترابه الوطني ، ولن نألوا جهدا" في دعم الوقف الفلسطيني في جميع المحافل ، وسنعمل على تجاوز أي عقبات تحول دون التعاون مع السلطة الوطنية الفلسطينية في جميع المجالات . اننا على يقين من أن المستقبل سيشهد رابطة وحدوية بين الشعبيـن التوأمين ، بعد قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وسيادتها على أرضها وشعبها ، وفق نموذج يتفق عليه ويقوم على الارادة الحرة للشعبين ، ونضمن له عوامل الاستمرار والدوام .

ان الاردن جزء من أمته العربية ، وهو وارث أشرف رسالة قومية وحدوية ، حملها الاخيار من بني هاشم ، فقد تأسس كيانه الحديث مستقرا" للثورة العربية الكبرى ، وكان على الدوام شريكا" رئيسيا" في المشروع النهضوي العربي ، يتفاعل بايجابية مع كل قضايا الامة ويسعى الى وحدتها ومنعتها وتقدمها دون كلل أو مبالاة بالثمن الذي يدفعه. ان حكومتي ، ستعمل بتوجيه مليكنا عبدالله بن الحسين حفظه الله على نقاء علاقاتنا بجميع الاشقاء دون استثناء ، وستسعى بجدية لقيام العلاقات العربية على قاعدة من التعاون والتفاهم وبناء الموقف الواحد من جميع قضايا الامة ، وربط مصالح الشعوب بالمشاريع المشتركة ، وتجاوز كل أسبـاب الاختلاف ، ورص الصفوف لمواجهة تحديات الحاضر والمستقبل ، مركزين على تعزيز علاقاتنا بدول الجوار العربي وتطوير التعاون معها في جميع المجالات حماية لمصالحنا الوطنية والقومية . وسنعمل في جميع الميادين والمحافل لرفع المعاناة والحصار عن شعبنا العربي في العراق والسودان وليبيا حتى تعود لأخذ دورها في بناء أوطانها والمساهمة في تقدم أمتها . وسنسعى بكل جدية ونقف بصلابة الى جانب اخواننا في سوريا ولبنان لاستعادة جميع أراضيها المحتلة .

ان السلام هو خيارنا الاستراتيجي ، كما قال عنه جلالة الملك عبدالله بن الحسين ، وهو خيار جميع الاشقاء ، كما هو توجه كل دول العالم ، لضمان مستقبل الشعوب في الامن والاستقرار والتنمية ، وقد اخترنا مسيرة السلام عن ايمان بأنه السبيل الامثل في الظروف والمستجدات على الساحة الاقليمية والدولية ، ولكنه ليس سلاما" باي ثمن . انه السلام القائم على الحق والعدل والمستند الى الشرعيـة الدولية ، حتى نضمن له الدوام والاستمرار والقبول الشعبي والحرص عليه .

ان عملية السلام تتعرض للكثير من العقبات والتجاوزات ، ولذا فان حكومتي وهي تصر على السلام وتعمل من أجله ، فانها تصر في الوقت نفسه على عودة جميع الحقوق العربية كاملة ، وسنعمل بالتعاون مع جميع الاشقاء والاصدقاء والدول المحبة للسلام لاعادة المسيرة الى مسارها الصحيح حتى يجني الجميع ثمارها دون تهاون أو استقواء . ان علاقاتنا الدولية ، التي رعاها جلالة المغفور له الملك الحسين ، قد عززت دور الاردن الفاعل على الساحة الدولية ووفرت له الدعم والمساندة ، ولذا فان حكومتي ستعمل بتوجيه جلالة الملك عبد الله على تعزيز هذه العلاقات وبخاصة مع الدول الاسلامية والدول الصديقة ، واستثمار هذه العلاقات فيما يفيد الاردن وأمته ، مركزين على دورنا في المؤسسات العربية والاقليمية والدولية .

سيدي الرئيس ، سادتي الاجلاء ،
اننا على يقين من أنكم تدركون حجم الاعباء التي نواجه وقسوة التحديات التي نتصدى لها ، وثقل الواجبات التي نحمل ، ولذا فاننا اذ نتوجه اليكم ممثلين للشعب الاردني الطيب ، لنرجو أن نجد منكم العون والتعاون ومن كل المواطنين وفعالياتهم حتى نستطيع حمل الامانة بأمانة وأداء الواجب باخلاص وتجرد ، ونرجو الله ان نحوز ثقتكم ، فهي ثقة شعبنا الذي تمثلون بصدق . حفظ الله الاردن ، وحفظ قائدنا جلالة الملك عبدالله بن الحسين ، وارث الرسالة وحامل الامانة ، وسدد على طريق الخير خطاه وهدانا جميعا" الى سواء السبيل .

" لا يكلف الله نفسا" الا وسعها ، لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ، ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا أو أخطأنا " صدق الله العظيم .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

عمان في 17 ذو الحجة 1419 هجرية

الموافق 3 نيسان 1999 ميلادية