كتاب التكليف السامي لحكومة الدكتور هاني الملقي الثانية


25  أيلول/سبتمبر 2016
بسم الله الرحمن الرحيم

عزيزنا دولة الأخ الدكتور هاني الملقي، حفظه الله، تحية طيبة وبعد،

نبعث إليك بتحية ملؤها المودة والاحترام، مؤكدين عميق تقديرنا لما بذلته وزملاؤك الوزراء من جهد طيب ودؤوب خلال الشهور الأربعة الأخيرة، وبشكل خاص أوجه الدعم التي وفرتها الحكومة لإنجاح العملية الانتخابية، والتي تشكل خطوة جديدة نحو تعميق مسيرتنا الديموقراطية، بالإضافة إلى جهودكم الواضحة في متابعة وتنفيذ ما ورد في كتاب التكليف السابق لكم بدقة، وتواصل مباشر مع المجتمعات المحلية لدفع مسيرة التنمية، والبناء على المنجزات ووضع الحلول العملية للعديد من التحديات.

وإنني إذ أقبل استقالة الحكومة في هذه المرحلة، فإنني أعهد إليك بتشكيل حكومة جديدة لتستمر في تنفيذ المسؤوليات الوطنية، التي كنا قد حددنا أولوياتها في كتاب التكليف السابق، وفق المنهجية والبرامج التي التزمتم بها، واضعين أمامكم مجموعة من القضايا ذات الأولوية خلال المرحلة القادمة.

إن الانتخابات التشريعية التي أنجزها الأردن ستكون، بإذن الله، خطوة نوعية في عملية الإصلاح السياسي الذي أردناه، والتي نأمل منها الارتقاء بالعمل النيابي. وهنـا، يجب إرساء علاقة تسودها روح التعاون والإيجابية بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وبأسلوب عمل تكاملي دون تغول أو تعطيل أو سلبية. وهذا يتطلب من السلطتين التنفيذية والتشريعية التعاون والتنسيق الدائم على أساس الفصل بين السلطات، وعلى أساس الاحترام المتبادل للأدوار الدستورية والشعور بالمسؤولية العامة تجاه الوطن والمواطن، وبما يتيح لها تولي مهامها التنفيذية ولمجلس الأمة مهامه الرقابية والتشريعية باقتدار.

وكخطوة هامة ورئيسية على صعيد الإصلاح السياسي، فعلى الحكومة توفير سبل الدعم للهيئة المستقلة للانتخاب لتمكينها من إجراء انتخابات المجالس البلدية ومجالس المحافظات العام المقبل، بالإضافة إلى الإعداد والتحضير بشكلٍ جيد ودقيق لضمان نجاح هذا الاستحقاق الوطني من أجل تعزيز مشاركة المواطنين في صنع القرار السياسي والتنموي. إنّ هذه المجالس تقلل من عبء الخدمات الذي يقوم به أعضاء مجلس النواب، ومن شأنها أيضاً أن تضيف مزيداً من المشاركة السياسية في الحياة العامة وتعمق الحياة الديمقراطية، وتمكن المواطنين من التأثير بالقرارات المرتبطة مباشرة بهم في الميدان، فهم الأقدر على تحديد احتياجاتهم والطرق الأنسب للتعامل مع هذه الاحتياجات.

عزيزنا دولة الأخ،
إن النهوض بالاقتصاد هو في قمة أولوياتنا الوطنية. وعليه، فمن الضروري الاستمرار في برامج التصحيح والتحديث الاقتصادي، وتحقيق أهدافها المنشودة، والعمل لإنجاز وتطوير تشريعات وسياسات وإجراءات محددة ومدروسة تعزز تنافسية الاقتصاد الوطني، وتجذب الاستثمارات، وتيسر نجاحها، وتحد من البيروقراطية المعيقة لها، لتوليد فرص العمل والتشغيل، وللمحافظة على الاستقرار المالي والنقدي، وتقلص عجز الموازنة ونسبة الدين للناتج المحلي الإجمالي لرفع معدلات النمو وتحقيق التنمية المستدامة.

ومن الضروري أن ترتكز هذه الجهود إلى رؤية الأردن2025  وتستمر بالبناء عليها، والتي وضعت إطاراً عاماً متكاملاً للسياسات الاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة إلى متابعة تنفيذ ما يصدر من توصيات يُتفق عليها مع مجلس السياسات الاقتصادية كما فعلت الحكومة مع حزمة التوصيات الأخيرة الصادرة عن المجلس.

إن ما سيتم بلورته من برامج وإجراءات سريعة للنهوض بالاقتصاد الوطني  وإنجازاتكم في هذا الميدان الهام ستكون أولوية وطنية تحظى باهتمامنـا، وعليه فإن هذه البرامج يجب أن تراعي بشكل واضح التوزيع العادل لمخرجات التنمية على المحافظات، وأن ترفد الطبقة الوسطى بأسباب المنعة والنمو سيما وأنها الضامن الأساس للاستقرار الاجتماعي وللتقدم الذي ننشد. وعلى الحكومة الاستمرار في تنفيذ برامج تنموية وإنتاجية على المستوى المحلي تشمل كل المحافظات، مستندة إلى تصور تنموي مستدام لها، وعبر زيادة الموارد المتاحة أمام المشاريع الصغيرة والمتوسطة خاصة للشباب الريادي في المحافظات ودعم بيئة الأعمال وإيلاء جذب الاستثمار الخارجي والعربي ودعم الاستثمار الوطني الأهمية التي يستحقها.

وكذلك نؤكد أهمية مواصلة الحكومة تلّمس أحوال المواطنين في الميدان، للاطلاع على واقع الخدمات المقدمة، لما لذلك من دور أساسي في عمل الحكومة ونجاح خططها وتقديم الخدمات المناسبة للمواطن، ليشعر المواطنون بالدور الحقيقي للحكومة والوزراء والمسؤولين بأنهم مجنّدون لخدمتهم وتفقّد حاجاتهم وحلّ مشاكلهم، ضمن الإمكانيات المتاحة بلا تقاعس أو تردد.

عزيزنا دولة الأخ،
إن القضاء النزيه والعادل والقادر هو ركن أساسي في تحقيق كل ذلك، ويجب الاستمرار في التعاون مع السلطة القضائية لتوفير كل الدعم اللازم لتمكينها من الاضطلاع بدورها الرئيسي على أكمل وجه.

ومن الأهمية بمكان الاستمرار في تعزيز مبدأ سيادة القانون وحماية قيم العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص ومحاربة الواسطة والمحسوبية، والاستمرار بإصلاح القطاع العام عبر اتخاذ اجراءات إدارية تمكن القيادات الإدارية ذات الكفاءة من قيادة التغيير المنشود، مستكملين بذلك خطوات الإصلاح الشامل اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وإدارياً، منجزين مشروع الحكومة الالكترونية، ومستمرين في مشاريع تنويع مصادر الطاقة وغيرها من المشاريع الكبرى، خاصة في قطاعات المياه والنقل العام. ولا بد من العمل على الاستمرار في رفع مستوى الخدمات المقدمة للمواطن ورفع سوية الأداء في القطاع العام وإصلاحه ضمن خطوات مدروسة وعميقة. كما لا بد من ترجمة ميثاق منظومة النزاهة الوطنية وقانون النزاهة ومكافحة الفساد إلى ممارسات يلمسها المواطن في العمل اليومي للإدارات الحكومية والخدمات العامة.

إن قطاع التعليم، بمراحلة كافة، يمس مستقبل الأردن ومستقبل كل مواطن، ولا يمكن السماح لأي كان بالوقوف في وجه تطوير وتحديث وتمكين هذا القطاع بكافة جوانبه. ولن نسمح بإحباط جهودنا ببناء أجيال المستقبل والنهوض بالعملية التعليمية بجميع مراحلها وأركانها. كما ويجب أن يكون الشباب وتمكينهم وإدماجهم في العملية التنموية في صميم الجهود الحكومية، بالإضافة إلى ضرورة الارتقاء بمشاركة المرأة في جميع مناحي الحياة وذلك بالشكل الذي يلبي طموحاتنا ويستحقه مجتمعنا.

وعلى صعيد محاربة البطالة، فإنه لا بد من النهوض بالموارد البشرية، وإحقاق التكاملية بين توصيات اللجنة الوطنية للموارد البشرية والاستراتيجية الوطنية للتشغيل، حيث تعتبر الأولى أساساً ومتطلباً سابقاً للثانية، وكذلك الاستمرار في تفعيل تطبيق الاستراتيجيات، ومصارحة المواطنين والرأي العام بما يمكن وما لا يمكن تحقيقه، بهدف بناء توقعات وطنية طموحة ومنطقية. ومثالا على ذلك، ما بدأت الحكومة بإطلاقه حول البطالة والتأكيد على أولوية التشغيل بدل التوظيف، مؤكدين على ضرورة العمل لتنفيذ توصيات اللجنة الوطنية للموارد البشرية، والتي تم اعتمادها، لما لها من الأهمية في بناء مستقبل واعد لأبناء وبنات الوطن، وتوفير فرص التشغيل والعمل الكريم لهم، وتطوير قطاعات التربية والتعليم والتعليم العالي والتدريب المهني والتقني.

وليكتمل الإصلاح، فلا بد من مواصلة الجهود لبناء وترسيخ منظومة متكاملة لحقوق الإنسان، توائم بين الحرية والمسؤولية الوطنية، مستندة إلى التشريعات والسياسات والممارسات الفضلى، لبناء شراكات هادفة ومتقدمة مع الأطراف المعنية ومن ضمنها مؤسسات المجتمع المدني. وفي هذا المجال، يجب إنفاذ الخطة الوطنية الشاملة لحقوق الإنسان، ضمن البرامج التنفيذية والمدد الزمنية المحددة فيها، والتي ستساهم بشكل رئيسي في تعزيز حالة حقوق الإنسان وترسيخها في وطننا الغالي، والبناء على منجزاتنا الوطنية في هذا المجال.

عزيزنا دولة الأخ،
إن التحديات الوطنية التي يعانيها الأردن وأجياله اليوم قد تضاعفت بسبب انعاكاسات أزمة اللجوء السوري على الأردن. فما قدمه الأردن يفوق كل معيار ولا بد من بذل كل الجهود لتأمين الدعم المطلوب للأردن، والذي من شأنه تمكيننا من التعامل مع أعباء وتبعات اللجوء السوري اقتصاديا وتنمويا وأمنيا وتوفير الدعم الضروري لمجتمعاتنا المحلية وقطاعاتنا الحيوية.

إننا نعتز بجيشنا العربي الأردني وأجهزتنا الأمنية كافة، والتي تتحمل أعباء كبيرة في الذود عن حمى الوطن وأمنه واستقراره، وهي التي سطرت مستوى أداء كان مثار اعتزازنا. فقواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية درع الوطن المنيع في وجه كل عابث وحاقد وهي مصدر ثقتنا وفخرنا، ولها منا جميعاً كل الشكر والتقدير على ما يبذلونه من جهود وتضحيات. ويستوجب علينا جميعاً توفير سبل الدعم كافة لتمكينهم من القيام بمسؤولياتهم الوطنية بتميز واقتدار.

عزيزنا دولة الأخ،
إن الأردن مستمر بعزيمة وهمة في مواقفه الثابتة بدعم قضايا الأمتين العربية والإسلامية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية وحماية القدس الشريف وتحقيق السلام العادل والشامل. وإنني أتطلع لأن تقوم الحكومة بالمرحلة القادمة بالاستثمار والبناء على حضور الأردن الدولي والاحترام الذي يحظى به والاتفاقيات العديدة التي أنجزها، لكي نعظم من مكاسبنا الدولية بما ينعكس على قدراتنا في مواجهة التحديات الوطنية.

كما أن مسؤولية التصدي للإرهابيين، خوارج العصر، واجب علينا دفاعاً عن الإسلام ومجتمعاتنا ومستقبل أجيالنا وحقهم بالعيش بأمان، بعيدا عن الكراهية والطائفية والعنف والفكر الهدام، وضمن منهج شمولي يواجه الإرهاب عسكريا وأمنيا وايديولوجياً حتى نقضي على هذا الخطر الآثم. وعلى الحكومة أن تستمر بنهج الدبلوماسية المسؤولة والبناءة وباحترام المواثيق والمعاهدات والالتزامات الدولية، وبتوجيه إمكاناتها وعلاقاتها الدولية والتحرك سياسياً بما يخدم القضايا العربية والإسلامية العادلة.

عزيزنا دولة الأخ،
وإلى حين تنسيبك بأسماء زملائك الوزراء، الذين سيشاركونك حمل أمانة المسؤولية، فإنني أكلفك وزملائك الوزراء، بتسيير الأعمال وإلى حين صدور إرادتنا بتشكيل الوزارة الجديدة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

أخوكم
عبدالله الثاني ابن الحسين